Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 41-41)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال أبو جعفر : وهذا تعليم من الله عزّ وجلّ المؤمنين قسم غنائمهم إذا غنموها ، يقول تعالى ذكره : واعلموا أيها المؤمنون أنما غنمتم من غنيمة . واختلف أهل العلم في معنى الغنيمة والفيء ، فقال بعضهم : فيهما معنيان كلّ واحد منهما غير صاحبه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن الحسن بن صالح ، قال : سألت عطاء بن السائب عن هذه الآية : { وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } وهذه الآية : { ما أفاءَ اللَّهُ عَلى رسُولهِ } قال قلت : ما الفيء وما الغنيمة ؟ قال : إذا ظهر المسلمون على المشركين وعلى أرضهم ، وأخذوهم عنوة فما أخذوا من مال ظهروا عليه فهو غنيمة ، وأما الأرض فهي في سوادنا هذا فيء . وقال آخرون : الغنيمة ما أُخذ عَنْوة . والفيء : ما كان عن صلح . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان الثوري ، قال : الغنيمة : ما أصاب المسلمون عنوة بقتال فيه الخمس ، وأربعة أخماسه لمن شهدها . والفيء : ما صولحوا عليه بغير قتال ، وليس فيه خمس ، هو لمن سَمَّى الله . وقال آخرون : الغنيمة والفيء بمعنى واحد . وقالوا : هذه الآية التي في الأنفال ناسخة قولَه : { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وللرسُولِ … } الآية . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { ما أفاءَ اللَّهُ على رَسُولِهِ مِنْ أهْلِ القُرَى فَلَلَّهِ وللرسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } قال : كان الفيء في هؤلاء ، ثم نسخ ذلك في سورة الأنفال ، فقال : { وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ } فنسخت هذه ما كان قبلها في سورة الحشر ، وجعل الخمس لمن كان له الفيء في سورة الحشر ، وسائر ذلك لمن قاتل عليه . وقد بيَّنا فيما مضى الغنيمة ، وأنها المال يوصل إليه من مال من خوّل الله ماله أهل دينه بغلبة عليه وقهر بقتال . فأما الفيء ، فإنه ما أفاء الله على المسلمين من أموال أهل الشرك ، وهو ما ردّه عليهم منها بصلح ، من غير إيجاف خيل ولا ركاب . وقد يجوز أن يسمى ما ردّته عليهم منها سيوفهم ورماحهم وغير ذلك من سلاحهم فيئاً ، لأن الفيء إنما هو مصدر من قول القائل : فاء الشيء يَفيءُ فَيْئاً : إذا رجع ، وأفاءه الله : إذا ردّه . غير أن الذي ورد حكم الله فيه من الفيء يحكيه في سورة الحشر إنما هو ما وصفت صفته من الفيء دون ما أوجف عليه منه بالخيل والركاب ، لعلل قد بينتها في كتابنا : « كتاب لطيف القول في أحكام شرائع الدين » وسنبينه أيضا في تفسير سورة الحشر إذا انتهينا إليه إن شاء الله تعالى . وأما قول من قال : الآية التي في سورة الأنفال ناسخة الآية التي في سورة الحشر فلا معنى له ، إذ كان لا معنى في إحدى الآيتين ينفي حكم الأخرى . وقد بيَّنا معنى النسخ ، وهو نفي حكم قد ثبت بحكم خلافه ، في غير موضع بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع . وأما قوله : { مِنْ شَيْءٍ } فإنه مراد به كل ما وقع عليه اسم شيء مما خوّله الله المؤمنين من أموال من غلبوا على ماله من المشركين مما وقع فيه القسم حتى الخيط والمخيط . كما : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، قوله : { وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } قال : المخيط من الشيء . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد بمثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو نعيم الفضل ، قال : ثنا سفيان ، عن ليث ، عن مجاهد ، مثله . القول في تأويل قوله تعالى : { فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } . اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : قوله : { فَأنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } مفتاح كلام ، ولله الدنيا والآخرة وما فيهما ، وإنما معنى الكلام : فأن للرسول خمسه . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن عن قول الله : { وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ } قال : هذا مفتاح كلام ، لله الدنيا والآخرة . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن بن محمد ، عن قوله : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } قال : هذا مفتاح كلام ، لله الدنيا والآخرة . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أحمد بن يونس ، قال : ثنا أبو شهاب ، عن ورقاء ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سرية فغنموا خَمَّسَ الغنيمة فضرب ذلك الخُمْسَ في خمسة . ثم قرأ : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرسُولِ } . قال : وقوله : { فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } مفتاح كلام ، لله ما في السَّمٰوَاتِ وما في الأَرْضِ فجعل سهم الله وسهم الرسول واحداً . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : { فَأن لِلَّهِ خُمُسَهُ } قال : لله كلّ شيء . حدثنا المثنى ، قال : ثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، في قوله : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } قال : لله كلّ شيء ، وخمس لله ورسوله ، ويقسم ما سوى ذلك على أربعة أسهم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : كانت الغنيمة تقسم خمس أخماس ، فأربعة أخماس لمن قاتل عليها ، ويقسم الخمس الباقي على خمسة أخماس ، فخمس لله والرسول . حدثنا عمران بن موسى ، قال : ثنا عبد الوارث ، قال : ثنا أبان ، عن الحسن ، قال : أوصى أبو بكر رضي الله عنه بالخمس من ماله وقال : ألا أرضى من مالي بما رضي الله لنفسه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن عبد الملك ، عن عطاء : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ } قال : خمس الله وخمس رسوله واحد ، كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحمل منه ويصنع فيه ما شاء . حدثني المثنى ، قال : ثنا الحجاج ، قال : ثنا أبو عوانة ، عن المغيرة ، عن أصحابه ، عن إبراهيم : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } قال : كل شيء لله ، الخمس للرسول ، ولذي القربى ، واليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وقال آخرون : معنى ذلك : فإن لبيت الله خمسه وللرسول . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع بن الجراح ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية الرياحي ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُؤْتَى بالغنيمة ، فيقسمها على خمسة تكون أربعة أخماس لمن شهدها ، ثم يأخذ الخمس ، فيضرب بيده فيه ، فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة ، وهو سهم الله ، ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم فيكون سهم للرسول ، وسهم لذي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ … } إلى آخر الآية ، قال : فكان يجاء بالغنيمة فتوضع ، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة أسهم ، فيجعل أربعة بين الناس ويأخذ سهماً ، ثم يضرب بيده في جميع ذلك السهم ، فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة ، فهو الذي سُمي لله ، ويقول : " لا تجعلوا لله نصيباً فإن لله الدنيا والآخرة " ، ثم يقسم بقيته على خمسة أسهم : سهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، وسهم لذوي القربى ، وسهم لليتامى ، وسهم للمساكين ، وسهم لابن السبيل . وقال آخرون : ما سمي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك فإنما هو مراد به قرابته ، وليس لله ولا لرسوله منه شيء . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثنا معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : كانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس ، فأربعة منها لمن قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربع فربع لله والرسول ولذي القربى يعني قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم فما كان لله والرسول فهو لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئاً ، والربع الثاني لليتامى ، والربع الثالث للمساكين ، والربع الرابع لابن السبيل . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال قوله : { فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } افتتاح كلام وذلك لإجماع الحجة على أن الخمس غير جائز قسمه على ستة أسهم ، ولو كان لله فيه سهم كما قال أبو العالية ، لوجب أن يكون خمس الغنيمة مقسوماً على ستة أسهم . وإنما اختلف أهل العلم في قسمه على خمسة فما دونها ، فأما على أكثر من ذلك فما لا نعلم قائلاً قاله غير الذي ذكرنا من الخبر عن أبي العالية ، وفي إجماع من ذكرت الدلالة الواضحة على صحة ما اخترنا . فأما من قال : سهم الرسول لذوي القربى ، فقد أوجب للرسول سهماً وإن كان صلى الله عليه وسلم صرفه إلى ذوي قرابته ، فلم يخرج من أن يكون القسم كان على خمسة أسهم . وقد : حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ … } الآية ، قال : كان نبيّ صلى الله عليه وسلم إذا غنم غنيمة جعلت أخماساً ، فكان خمس لله ولرسوله ، ويقسم المسلمون ما بقي . وكان الخمس الذي جعل لله ولرسوله ولذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فكان هذا الخمس خمسة أخماس : خمس لله ورسوله ، وخمس لذوي القُرْبى ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، وخمس لابن السبيل . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، قال : سألت يحيى بن الجزار عن سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال : هو خمس الخمس . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن عيينة ، وجرير عن موسى بن أبي عائشة ، عن يحيى بن الجزار ، مثله . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن يحيى بن الجزار ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } قال : أربعة أخماس لمن حضر البأس ، والخمس الباقي لله ، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى ، وخمسه لذوي القربى ، وخمسه لليتامى ، وخمسة للمساكين ، ولابن السبيل خمسه . وأما قوله : { وَلِذِي القُرْبَىَ } فإن أهل التأويل اختلفوا فيهم ، فقال بعضهم : هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثني أبي ، عن شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : كان آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحلّ لهم الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا شريك ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وأهل بيته لا يأكلون الصدقة ، فجعل لهم خمس الخمس . حدثنا أحمد ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا عبد السلام ، عن خَصِيف ، عن مجاهد ، قال : قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء ، فجعل لهم الخمس مكان الصدقة . حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا إسماعيل بن أبان ، قال : ثنا الصباح بن يحيى المزني ، عن السديّ ، عن ابن الديلمي ، قال : قال عليّ بن الحسين رضي الله عنه لرجل من أهل الشأم : أما قرأت في الأنفال : { وَاعْلَمُوا أنمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ … } الآية ؟ قال : نعم ، قال : فإنكم لأنتم هم ؟ قال : نعم . حدثنا الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا إسرائيل ، عن خصيف ، عن مجاهد ، قال : هؤلاء قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين لا تحلّ لهم الصدقة . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن حجاج ، عن عطاء ، عن ابن عباس : أن نَجُدة كتب إليه يسأله عن ذوي القربى ، فكتب إليه كتابا : نزعم أنا نحن هم ، فأبى ذلك علينا قومنا . قال : حدثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج : { فأنَّ للَّهِ خُمُسَهُ } قال : أربعة أخماس لمن حضر البأس ، والخمس الباقي لله ، وللرسول خمسه يضعه حيث رأى ، وخمس لذوي القربى ، وخمس لليتامى ، وخمس للمساكين ، ولابن السبيل خمسه . وقال آخرون : بل هم قريش كلها . ذكر من قال ذلك : حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرني عبد الله بن نافع ، عن أبي معشر ، عن سعيد المُقِبري ، قال : كتب نجْدة إلى ابن عباس يسأله عن ذي القربى ، قال : فكتب إليه ابن عباس : قد كنا نقول إنا هم ، فأبى ذلك علينا قومنا ، وقالوا : قريش كلها ذوو قُرْبىَ . وقال آخرون : سهم ذي القربى كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم صار من بعده لوليّ الأمر من بعده . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، أنه سئل عن سهم ذي القربى ، فقال : كان طُعْمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا ، فلما توفي جعل لوليّ الأمر من بعده . وقال آخرون : بل سهم ذي القربى كان لبني هاشم وبني المطلب خاصة . وممن قال ذلك الشافعيّ ، وكانت علته في ذلك ما : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس بن بكير ، قال : ثنا محمد بن إسحاق ، قال : ثني الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن جبير بن مطعم ، قال : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سهم ذي القربى من خيبر على بني هاشم وبني المطلب مشيت أنا وعثمان بن عفان رضي الله عنه ، فقلنا : يا رسول الله ، هؤلاء إخوتك بنو هاشم لا ننكر فضلهم لمكانك الذي جعلك الله به منهم ، أرأيت إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا ، وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة ؟ فقال : " إنَّهُمْ لَمْ يُفارِقُونا فِي جاهِلِيَّةٍ وَلا إسْلامٍ ، إنَّمَا بَنُو هاشِمٍ وَبَنُو المُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ " ثم شبك رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه إحداهما بالأخرى . وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي ، قول من قال : سهم ذي القربى كان لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وحلفائهم من بني المطلب ، لأن حليف القوم منهم ، ولصحة الخبر الذي ذكرناه بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . واختلف أهل العلم في حكم هذين السهمين ، أعني سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم : يصرفان في معونة الإسلام وأهله . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا أحمد بن يونس ، قال : ثنا أبو شهاب ، عن ورقاء ، عن نهشل ، عن الضحاك ، عن ابن عباس ، قال : جعل سهم الله وسهم الرسول واحداً ولذي القربى ، فجعل هذان السهمان في الخيل والسلاح ، وجعل سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل لا يُعْطَى غيرهم . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن عن قول الله : { وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى } قال : هذا مفتاح كلام ، لله الدنيا والآخرة . ثم اختلف الناس في هذين السهمين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قائلون : سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم . وقال قائلون : سهم القرابة لقرابة الخليفة واجتمع رأيهم أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والعدّة في سبيل الله ، فكانا على ذلك في خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، قال : سألت الحسن بن محمد ، فذكر نحوه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عمر بن عبيد ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، قال : كان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما يجعلان سهم النبيّ صلى الله عليه وسلم في الكراع والسلاح ، فقلت لإبراهيم : ما كان عليّ رضي الله عنه يقول فيه ؟ قال : كان عليّ أشدّهم فيه . حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { وَاعْلَمُوا أنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وللرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى واليَتامَى والمَساكِينِ … } الآية . قال ابن عباس : فكانت الغنيمة تقسم على خمسة أخماس ، أربعة بين من قاتل عليها ، وخمس واحد يقسم على أربعة : لله ، وللرسول ، ولذي القربى ، يعني قرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم فما كان لله وللرسول فهو لقرابة النبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولم يأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم من الخمس شيئا . فلما قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم ، ردّ أبو بكر رضي الله عنه نصيب القرابة في المسلمين ، فجعل يحمل به في سبيل الله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا نُورَثُ ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ " حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذي القربى ، فقال : كان طُعْمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما توفي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله صدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال آخرون : سهم ذوي القربى من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وليّ أمر المسلمين . ذكر من قال ذلك : حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا عمرو بن ثابت ، عنِ عمران بن ظَبيان ، عن حكيم بن سعد ، عن عليّ رضي الله عنه ، قال : يعطى كلّ إنسان نصيبه من الخمس ، ويلي الإمام سهم الله ورسوله . حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : أنه سئل عن سهم ذوي القربى ، فقال : كان طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان حيًّا ، فلما توفي جُعِل لوليّ الأمر من بعده . وقال آخرون : سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس ، والخمس مقسوم على ثلاثة أسهم : على اليتامى ، والمساكين ، وابن السبيل . وذلك قول جماعة من أهل العراق . وقال آخرون : الخمس كله لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ذكر من قال ذلك : حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا عبد الغفار ، قال : ثنا المنهال بن عمرو ، قال : سألت عبد الله بن محمد بن عليّ وعليّ بن الحسين عن الخمس ، فقالا : هو لنا . فقلت لعليّ : إن الله يقول : { واليَتامَى وَالمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } فقال : يتامانا ومساكيننا . والصواب من القول في ذلك عندنا ، أن سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مردود في الخمس ، والخمس مقسوم على أربعة أسهم على ما رُوي عن ابن عباس : للقرابة سهم ، ولليتامى سهم ، وللمساكين سهم ، ولابن السبيل سهم لأن الله أوجب الخمس لأقوام موصوفين بصفات ، كما أوجب الأربعة الأخماس الآخرين . وقد أجمعوا أن حقّ الأربعة الأخماس لن يستحقه غيرهم ، فكذلك حقّ أهل الخمس لن يستحقه غيرهم ، فغير جائز أن يخرج عنهم إلى غيرهم ، كما غير جائز أن تخرج بعض السهمان التي جعلها الله لمن سماه في كتابه بفقد بعض من يستحقه إلى غير أهل السهمان الأخر . وأما اليتامى : فهم أطفال المسلمين الذين قد هلك آباؤهم . والمساكين : هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين . وابن السبيل : المجتاز سفراً قد انْقُطِعَ به . كما : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : الخمس الرابع لابن السبيل ، وهو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين . القول في تأويل قوله تعالى : { إنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ باللَّهِ وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ وَاللَّه عَلى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } . يقول تعالى ذكره : أيقنوا أيها المؤمنون أنما غنمتم من شيء فمقسوم القَسمْ الذي بينته ، وصَدقوا به إن كنتم أقررتم بوحدانية الله وبما أنزل الله على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم فرق بين الحقّ والباطل ببدر ، فأبان فلج المؤمنين وظهورهم على عدوّهم ، وذلك يوم التقى الجمعان . جمع المؤمنين ، وجمع المشركين ، والله على إهلاك أهل الكفر وإذلالهم بأيدي المؤمنين ، وعلى غير ذلك مما يشاء قدير لا يمتنع عليه شيء أراده . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يَوْمَ الفُرْقانِ } يعني بالفرقان : يوم بدر ، فَرَق الله فيه بين الحق والباطل . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني الليث ، قال : ثني عقيل ، عن ابن شهاب ، عن عروة بن الزبير وإسحاق ، قال : ثنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، يزيد أحدهما على صاحبه في قوله : { يَوْمَ الفُرْقانِ } يوم فرق الله بين الحقّ والباطل ، وهو يوم بدر ، وهو أوّل مشهد شهده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رأس المشركين عتبة بن ربيعة . فالتقوا يوم الجمعة لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان ، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مئة وبضعة عشر رجلاً ، والمشركون ما بين الألف والتسع مئة ، فهزم الله يومئذ المشركين ، وقُتل منهم زيادة على سبعين ، وأسر منهم مثلُ ذلك . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن مقسم : { يَوْمَ الفُرْقانِ } قال : يوم بدر ، فرق الله بين الحقّ والباطل . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عثمان الجزري ، عن مقسم ، في قوله : { يَوْمَ الفُرْقانِ } قال : يوم بدر ، فرق الله بين الحقّ والباطل . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ } يوم بدر ، وبدر بين المدينة ومكة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثني يحيى بن يعقوب أبو طالب ، عن ابن عون ، عن محمد بن عبد الله الثقفي ، عن أبي عبد الرحمن السلمي عبد الله بن حبيب ، قال : قال الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من شهر رمضان . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ } قال ابن جريج : قال ابن كثير : يوم بدر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الجَمْعانِ } : أي يوم فرق بين الحقّ والباطل ببدر أي يوم التقى الجمعان منكم ومنهم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَما أنْزَلْنا على عَبْدِنا يَوْمَ الفُرْقانِ } وذاكم يوم بدر ، يوم فرق الله بين الحقّ والباطل .