Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 59-59)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلفت القرّاء في قراءة ذلك ، فقرأ ذلك عامة قرّاء الحجاز والعراق : « وَلا تَحْسَبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنَّهُمْ » بكسر الألف من « إنهم » وبالتاء في « تحسبنّ » ، بمعنى : ولا تحسبنّ يا محمد الذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم . ثم ابتدأ الخبر عن قدرة الله عليهم ، فقيل : إن هؤلاء الكفرة لا يعجِزون ربهم إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم بأنفسهم فيفوتوه بها . وقرأ ذلك بعض قرّاء المدينة والكوفة : { وَلا يَحْسَبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا } بالياء في « يحسبنّ » ، وكسر الألف من « إنهم » ، وهي قراءة غير حميدة لمعنيين : أحدهما خروجها من قراءة القرّاء وشذوذها عنها ، والآخر بعدها من فصيح كلام العرب وذلك أن « يحسب » يطلب في كلام العرب منصوباً وخبره ، كقوله : عبد الله يحسب أخاك قائماً ويقوم وقام ، فقارىء هذه القراءة أصحب « يحسب » خبراً لغير مخبر عنه مذكور ، وإنما كان مراده : ظنيّ ولا يحسبنّ الذين كفروا سبقوا أنهم لا يعجزوننا ، فلم يفكر في صواب مخرج الكلام وسقمه ، واستعمل في قراءته ذلك كذلك ما ظهر له من مفهوم الكلام . وأحسب أن الذي دعاه إلى ذلك الاعتبار بقراءة عبد الله ، وذلك أنه فيما ذكر في مصحف عبد الله : « وَلا يَحْسَبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهُمْ سَبَقُوا إنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ » وهذا فصيح صحيح إذا أدخلت أنهم في الكلام ، لأن « يحسبنّ » عاملة في « أنهم » ، وإذا لم يكن في الكلام « أنهم » كانت خالية من اسم تعمل فيه . وللذي قرأ من ذلك من القرّاء وجهان في كلام العرب وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم : أحدهما أن يكون أريد به : ولا يحسبنّ الذين كفروا أن سبقوا ، أو أنهم سبقوا ، ثم حذف « أن » و « أنهم » ، كما قال جلّ ثناؤه : { وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً } بمعنى : أن يريكم . وقد ينشد في نحو ذلك بيت لذي الرمة : @ أظَنَّ ابْنُ طُرْثُوثٍ عُيَيْنَةُ ذَاهِباً بِعادِيَّتِي تَكْذَابُهُ وَجَعائِلُهْ @@ بمعنى : أظنّ ابن طرثوث أن يذهب بعاديتي تكذابُه وجعائله . وكذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء ، يوجه « سبقوا » إلى « سابقين » على هذا المعنى . والوجه الثاني على أنه أراد إضمار منصوب ب « يحسب » ، كأنه قال : ولا يحسب الذين كفروا أنهم سبقوا ، ثم حذف الهمز وأضمر . وقد وجه بعضهم معنى قوله : { إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوّفُ أوْلِياءَهُ } إنما ذلكم الشيطان يخوّف المؤمن من أوليائه ، وأن ذكر المؤمن مضمر في قوله : « يخوّف » ، إذ كان الشيطان عنده لا يخوّف أولياءه . وقرأ ذلك بعض أهل الشام : « وَلا يَحْسَبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا » بالتاء من « تحسبن » « سَبَقُوا إنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ » بفتح الألف من « أنهم » ، بمعنى : ولا تحسبنّ الذين كفروا أنهم لا يعجزون . ولا وجه لهذه القراءة يعقل إلا أن يكون أراد القارىء ب « لا » التي في يعجزون « لا » التي تدخل في الكلام حشوا وصلة . فيكون معنى الكلام حينئذ : ولا تحسبنّ الذين كفروا سبقوا أنهم يعجزون . ولا وجه لتوجيه حرف في كتاب الله إلى التطويل بغير حجة يجب التسليم لها وله في الصحة مخرج . قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ : « لا تَحْسَبن » بالتاء « الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنهُمْ » بكسر الألف من « إنهُمْ لا يُعْجِزُونَ » بمعنى : ولا تحسبنّ أنت يا محمد الذين جحدوا حجج الله وكذّبوا بها سبقونا بأنفسهم ، ففاتونا ، إنهم لا يعجزوننا : أي يفوتوننا بأنفسهم ، ولا يقدرون على الهرب منا . كما : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَلا يَحْسَبنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ } يقول : لا يفوتون .