Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 5-6)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اختلف أهل التأويـل فـي الـجالب لهذه الكاف التـي فـي قوله : { كما أخْرَجَكَ } وما الذي شبه بإخراج الله نبـيه صلى الله عليه وسلم من بـيته بـالـحقّ . فقال بعضهم : شبه به فـي الصلاح للـمؤمنـين ، اتقاؤهم ربهم ، وإصلاحهم ذات بـينهم ، وطاعتهم الله ورسوله . وقالوا : معنى ذلك : يقول الله : وأصلـحوا ذات بـينكم ، فإن ذلك خير لكم ، كما أخرج الله مـحمدا صلى الله عليه وسلم من بـيته بـالـحقّ كان خيراً له . ذكر من قال ذلك . حدثنا مـحمد بن الـمثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة : { فـاتَّقُوا اللّهَ وأصْلِـحوا ذَاتَ بَـيْنِكُمْ وأطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ … } الآية : أي إن هذا خير لكم ، كما كان إخراجك من بـيتك بـالـحقّ خيراً لك . وقال آخرون : معنى ذلك : كما أخرجك ربك يا مـحمد من بـيتك بـالـحقّ علـى كره من فريق من الـمؤمنـين كذلك هم يكرهون القتال ، فهم يجادلونك فـيه بعد ما تبـين لهم . ذكر من قال ذلك . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ } قال : كذلك يجادلونك فِـي الـحقّ . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { كمَا أخْرَجَك رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ } كذلك يجادلونك فـي الـحقّ ، القتال . قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبـي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، فـي قوله : { كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ } قال : كذلك أخرجك ربك . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ ، قال : أنزل الله فـي خروجه يعنـي خروج النبـيّ صلى الله عليه وسلم إلـى بدر ومـجادلتهم إياه ، فقال : { كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ } لطلب الـمشركين ، { يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيَّنَ } . اختلف أهل العربـية فـي ذلك ، فقال بعض نـحويـي الكوفـيـين : ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يـمضي لأمره فـي الغنائم ، علـى كُره من أصحابه ، كما مضى لأمره فـي خروجه من بـيته لطلب العير وهم كارهون . وقال آخرون منهم : معنى ذلك : يسألونك عن الأنفـال مـجادلة كما جادلوك يوم بدر ، فقالوا : أخرجتنا للعير ، ولـم تعلـمنا قتالاً فنستعدّ له . وقال بعض نـحويـي البصرة : يجوز أن يكون هذا الكاف فـي : { كمَا أخْرَجَكَ } علـى قوله : { أُولَئِكَ هُمُ الـمُؤْمِنُونَ حَقًّا كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ } وقـيـل : الكاف بـمعنى « علـى » . وقال آخرون منهم : هي بـمعنى القسم . قال : ومعنى الكلام : والذي أخرجك ربك . قال أبو جعفر : وأولـى هذه الأقوال عندي بـالصواب قول من قال فـي ذلك بقول مـجاهد ، وقال معناه : كما أخرجك ربك بـالـحقّ علـى كره من فريق من الـمؤمنـين ، كذلك يجادلونك فـي الـحقّ بعدما تبـين . لأن كلا الأمرين قد كان ، أعنـي خروج بعض من خرج من الـمدينة كارهاً ، وجِدَالهم فـي لقاء العدوّ عند دنوّ القوم بعضهم من بعض ، فتشبـيه بعض ذلك ببعض مع قرب أحدهما من الآخر أولـى من تشبـيهه بـما بعد عنه . وقال مـجاهد فـي الـحقّ الذي ذكر أنهم يجادلون فـيه النبـيّ صلى الله عليه وسلم بعدما تبـينوه : هو القتال . حدثنـي مـحمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد : { يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ } قال : القتال . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . حدثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبـي نـجيح ، عن مـجاهد ، مثله . وأما قوله : { مِنْ بَـيْتِكَ } فإن بعضهم قال : معناه من الـمدينة . ذكر من قال ذلك . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبـي بزة : { كمَا أخْرَجكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ } الـمدينة إلـى بدر . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الـحسين ، قال : ثنـي حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرنـي مـحمد بن عبـاد بن جعفر ، فـي قوله : { كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ } قال : من الـمدينة إلـى بدر . وأما قوله : { وإنَّ فَرِيقاً مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ } فإن كرَاهتهم كانت كما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثنـي مـحمد بن مسلـم الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وعبد الله بن أبـي بكر ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبـير وغيرهم من علـمائنا ، عن عبد الله بن عبـاس ، قالوا : لـما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبـي سفـيان مقبلاً من الشأم ، ندب إلـيهم الـمسلـمين ، وقال : " هَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فـيها أمْوَالُهُمْ ، فـاخْرُجُوا إلـيها لعَلَّ الله أنْ يُنَفَّلَكُمُوهَا " فـانتدب الناس ، فخفّ بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لـم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يـلقـى حربـاً . حدثنـي مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن الـمفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ } لطلب الـمشركين . ثم اختلف أهل التأويـل فـي الذين عنُوا بقوله : { يُجادِلُونَكَ فِـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيَّنَ } فقال بعضهم : عُنـي بذلك : أهل الإيـمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كانوا معه حين توجه إلـى بدر للقاء الـمشركين . ذكر من قال ذلك . حدثنـي مـحمد بن سعد ، قال : ثنـي أبـي ، قال : ثنـي عمي ، قال : ثنـي أبـي ، عن أبـيه ، عن ابن عبـاس ، قال : لـما شاور النبـيّ صلى الله عليه وسلم فـي لقاء القوم ، وقال له سعد بن عبـادة ما قال : وذلك يوم بدر ، أمر الناس ، فتعبوا للقتال ، وأمرهم بـالشوكة ، وكره ذلك أهل الإيـمان ، فأنزل الله : { كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ وَإنَّ فَرِيقاً مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ لَكارِهُونَ يُجادِلُونَكَ فِـي الـحَقّ بَعْدَما تَبَـيَّنَ كأنَّـمَا يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } . حدثنـي ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ثم ذكر القوم ، يعنـي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين عرف القوم أن قريشاً قد سارت إلـيهم ، وأنهم إنـما خرجوا يريدون العير طمعاً فـي الغنـيـمة ، فقال : { كمَا أخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَـيْتِكَ بـالـحَقّ … } إلـى قوله : { لَكارِهُونَ } أي كراهية للقاء القوم ، وإنكاراً لـمسير قريش حين ذكروا لهم . وقال آخرون : عُنـي بذلك الـمشركون . ذكر من قال ذلك . حدثنـي يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، فـي قوله : { يُجادِلُونَكَ فِـي الـحقّ بَعْدَما تَبَـيَّنَ كأنَّـمَا يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } قال : هؤلاء الـمشركون جادلوك فـي الـحق كأنـما يساقون إلـى الـموت حين يُدعون إلـى الإسلام ، { وهم يَنْظُرُونَ } قال : ولـيس هذا من صفة الآخرين ، هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر . حدثنـي الـمثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا يعقوب بن مـحمد ، قال : ثنـي عبد العزيز بن مـحمد ، عن ابن أخي الزهري ، عن عمه ، قال : كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر : { كَأنَّـمَا يُسَاقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلـى العير . قال أبو جعفر : والصواب من القول فـي ذلك ما قاله ابن عبـاس وابن إسحاق ، من أن ذلك خبر من الله عن فريق من الـمؤمنـين أنهم كرهوا لقاء العدوّ ، وكان جدالهم نبـيّ الله صلى الله عليه وسلم أن قالوا : لـم يعلـمنا أنا نلقـى العدوّ فنستعدّ لقتالهم ، وإنـما خرجنا للعير . ومـما يدلّ علـى صحة قوله : { وَإذْ يَعِدكُمُ اللّهُ إحْدَى الطَّائِفَتَـيْنِ أنَّها لَكُم وَتَوَدُّونَ أنَّ غيرَ ذَاتِ الشَّوكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } ففـي ذلك الدلـيـل الواضح لـمن فهم عن الله أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين وأن جدالهم كان فـي القتال كما قال مـجاهد ، كراهية منهم له ، وأن لا معنى لـما قال ابن زيد ، لأن الذي قبل قوله : { يُجادِلُونَكَ فـي الـحَقّ } خبر عن أهل الإيـمان ، والذي يتلوه خبر عنهم ، فأن يكون خبراً عنهم أولـى منه بأن يكون خبراً عمن لـم يجر له ذكر . وأما قوله : { بَعْدَما تَبَـيَّنَ } فإن أهل التأويـل اختلفوا فـي تأويـله ، فقال بعضهم : معناه : بعدما تبـين لهم أنك لا تفعل إلاَّ ما أمرك الله . ذكر من قال ذلك . حدثنا مـحمد بن الـحسين ، قال : ثنا أحمد بن مفضل ، قال : ثنا أسبـاط ، عن السديّ : { بَعْدَما تَبَـيَّنَ } أنك لا تصنع إلاَّ ما أمرك الله به . وقال آخرون : معناه يجادلونك فـي القتال بعدما أمرت به . ذكر من قال ذلك . رواه الكلبـي ، عن أبـي صالـح ، عن ابن عبـاس . وأما قوله { كأنَّـما يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } فإن معناه : كأن هؤلاء الذين يجادلونك فـي لقاء العدوّ من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلـى لقائهم للقتال يساقون إلـى الـموت . وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل . ذكر من قال ذلك . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلـمة ، قال قال ابن إسحاق : { كأنَّـما يُساقُونَ إلـى الـمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } : أي كراهة للقاء القوم ، وإنكاراً لـمسير قريش حين ذكروا لهم .