Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 61-61)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإما تخافنّ من قوم خيانة وغدرا ، فانبذ إليهم على سواء وآذنهم بالحرب . { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ فاجْنَحْ لَهَا } وإن مالوا إلى مسالمتك ومتاركتك الحرب ، إما بالدخول في الإسلام ، وإما بإعطاء الجزية ، وإما بموادعة ، ونحو ذلك من أسباب السلم والصلح { فاجْنَحْ لَهَا } يقول : فمل إليها ، وابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك وسألوكه . يقال منه : جنح الرجل إلى كذا يجنح إليه جنوحاً ، وهي لتميم وقيس فيما ذكر عنها ، تقول : يجنُح بضم النون . وآخرون : يقولون : يَجْنِحُ بكسر النون ، وذلك إذا مال ، ومنه قول نابغة بني ذبيان : @ جَوَانِحَ قَدْ أيْقَنَّ أنَّ قَبِيلَهُ إذَا ما الْتَقَى الجَمْعانِ أوَّلُ غالِبِ @@ جوانح : موائل . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ } قال : للصلح . ونسخها قوله : { اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ } إلى الصلح { فاجْنَحْ لَهَا } قال : وكانت هذه قبل براءة ، كان نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يوادع القوم إلى أجل ، فإما أن يسلموا وإما أن يقاتلوا ، ثم نسخ ذلك بعد في براءة فقال : { اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } وقال : { قاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً } ونبذ إلى كلّ ذي عهد عهده ، وأمره بقتالهم حتى يقولوا لا إله إلا الله ويسلموا ، وأن لا يقبل منهم إلا ذلك ، وكل عهد كان في هذه السورة وفي غيرها ، وكلّ صلح يصالح به المسلمون المشركين يتوادعون به فإن براءة جاءت بنسخ ذلك ، فأمر بقتالهم على كل حال حتى يقولوا : لا إله إلا الله . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، عن الحسن ، عن يزيد ، عن عكرمة والحسن البصري ، قالا : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } نسختها الآية التي في براءة قوله : { قاتِلُوا الَّذينَ لا يُؤْمِنُونَ باللَّهِ وَلا باليَوْمِ الآخِرِ … } إلى قوله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } يقول : وإن أرادوا الصلح فأرده . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } : أي إن دعوك إلى السلم إلى الإسلام ، فصالحهم عليه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } قال : فصالحهم . قال : وهذا قد نسخه الجهاد . فأما ما قاله قتادة ومن قال مثل قوله من أن هذه الآية منسوخة ، فقول لا دلالة عليه من كتاب ولا سنة ولا فطرة عقل . وقد دللنا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره على أن الناسخ لا يكون إلا ما نفي حكم المنسوخ من كل وجه ، فأما ما كان بخلاف ذلك فغير كائن ناسخا . وقول الله في براءة : { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حيْثُ وَجَدْتْموهُمْ } غير ناف حكمه حكم قوله : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } لأن قوله : وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ إنَّمَا عُني به بنو قريظة ، وكانوا يهودا أهل كتاب ، وقد أذن الله جلّ ثناؤه للمؤمنين بصلح أهل الكتاب ومتاركتهم الحرب على أخذ الجزية منهم . وأما قوله : { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حيْثُ وَجَدْتْموهُمْ } فإنما عني به مشركو العرب من عبدة الأوثان الذين لا يجوز قبول الجزية منهم ، فليس في إحدى الآيتين نفي حكم الأخرى ، بل كل واحدة منهما محكمة فيما أنزلت فيه . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَإنْ جَنَحُوا للسَّلْمِ } قال : قريظة . وأما قوله : { وَتَوَكَّلْ على اللَّهِ } يقول : فوّض إلى الله يا محمد أمرك ، واستكفه واثقاً به أنه يكفيك . كالذي : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وَتَوَكَّلْ على اللَّهِ } إن الله كافيك . وقوله : { إنَّهُ هُوَ السَّمِيِعُ العَلِيمُ } يعني بذلك : إن الله الذي تتوكل عليه سميع لما تقول أنت ، ومن تسالمه وتتاركه الحرب من أعداء الله وأعدائك عند عقد السلم بينك وبينه ، ويشرط كل فريق منكم على صاحبه من الشروط ، والعليم بما يضمره كلّ فريق منكم للفريق الآخر من الوفاء بما عاقده عليه ، ومن المضمِر ذلك منكم في قلبه والمنطوي على خلافه لصاحبه .