Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 8, Ayat: 63-63)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يريد جلّ ثناؤه بقوله : { وألَّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ } وجمع بين قلوب المؤمنين من الأوس والخزرج بعد التفرّق والتشتت على دينه الحقّ ، فصيرهم به جميعا بعد أن كانوا أشتاتاً ، وإخواناً بعد أن كانوا أعداء . وقوله : { لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً ما ألَّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لو أنفقت يا محمد ما في الأرض جميعاً من ذهب وورق وعرض ، ما جمعت أنت بين قلوبهم بحيلك ، ولكن الله جمعها على الهدى ، فأتلفت واجتمعت تقوية من الله لك وتأييداً منه ومعونة على عدوّك . يقول جلّ ثناؤه : والذي فعل ذلك وسببه لك حتى صاروا لك أعواناً وأنصاراً ويداً واحدة على من بغاك سوءاً هو الذي إن رام عدوّ منك مراما يكفيك كيده وينصرك عليه ، فثق به وامض لأمره وتوكل عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { وألَّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ } قال : هؤلاء الأنصار ألف بين قلوبهم من بعد حرب فيما كان بينهم . حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن بشير بن ثابت رجل من الأنصار ، أنه قال في هذه الآية : { لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألَّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ } يعني الأنصار . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وألَّفَ بينَ قُلُوِبهِمْ } على الهدى الذي بعثك به إليهم . { لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً ما ألَّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ وَلَكِنّ اللَّهَ ألَّفَ بَيْنَهُمْ } بدينه الذي جمعهم عليه ، يعني الأوس والخزرج . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن إبراهيم الجزري ، عن الوليد بن أبي مغيث ، عن مجاهد قال : إذا التقى المسلمان فتصافحا غفر لهما . قال : قلت لمجاهد : بمصافحة يغفر لهما ؟ فقال مجاهد : أما سمعته يقول : { لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً ما ألَّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ } ؟ فقال الوليد لمجاهد : أنت أعلم مني . حدثنا عبد الكريم بن أبي عُمير ، قال : ثني الوليد ، عن أبي عمرو ، قال : ثني عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد ، ولقيته وأخذ بيدي ، فقال : إذا تراءى المتحابان في الله فأخذ أحدهما بيد صاحبه وضحك إليه ، تحاتت خطاياهما كما يتحاتّ ورق الشجر . قال عبدة : فقلت له : إن هذا ليسير قال : لا تقل ذلك ، فإن الله يقول : { لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعا ما ألَّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ } . قال عبدة : فعرفت أنه أفقه مني . حدثني محمد بن خلف ، قال : ثنا عبيد الله بن موسى ، قال : ثنا فضيل بن غزوان ، قال : أتيت أبا إسحاق ، فسلمت عليه فقلت : أتعرفني ؟ فقال فضيل : نعم لولا الحياء منك لقبلتك . حدثني أبو الأحوص ، عن عبد الله ، قال : نزلت هذه الآية في المتحابين في الله : { لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً ما ألَّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ } . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، قال : أخبرنا ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : كنا نتحدث أن أول ما يرفع من الناس أو قال عن الناس الألفة . حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا أيوب بن سويد ، عن الأوزاعي ، قال : ثني عبدة بن أبي لبابة ، عن مجاهد ، ثم ذكر نحو حديث عبد الكريم ، عن الوليد . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة وابن نمير وحفص بن غياث ، عن فضيل بن غزوان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : سمعت عبد الله يقول : { لَوْ أنْفَقْتَ ما فِي الأرْضِ جَمِيعاً ما ألَّفْتَ بينَ قُلُوِبهِمْ … } الآية ، قال : هم المتحابون في الله . وقوله : { إنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } يقول : إن الله الذي ألف بين قلوب الأوس والخزرج بعد تشتت كلمتهما وتعاديهما وجعلهم لك أنصاراً عزيز لا يقهره شيء ولا يردّ قضاءه رادّ ، ولكنه ينفذ في خلقه حكمه . يقول : فعليه فتوكل ، وبه فثق ، { حَكِيمٌ } في تدبير خلقه .