Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 8, Ayat: 68-68)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره لأهل بدر الذين غنموا وأخذوا من الأسرى الفداء : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } يقول : لولا قضاء من الله سبق لكم أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن الله محلّ لكم الغنيمة ، وأن الله قضى فيما قضى أنه لا يضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون ، وأنه لا يعذّب أحداً شهد المشهد الذي شهدتموه ببدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ناصراً دين الله لنالكم من الله بأخذكم الغنيمة والفداء عذاب عظيم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، قال : ثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ … } الآية ، قال : إن الله كان مطعم هذه الأمة الغنيمة ، وإنهم أخذوا الفداء من أسارى بدر قبل أن يؤمروا به . قال : فعاب الله ذلك عليهم ، ثم أحله الله . حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، قال : ثنا بشر بن المفضل ، عن عوف ، عن الحسن ، في قول اللَّه : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ … } الآية ، وذلك يوم بدر ، أخذ أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم المغانم والأسارى قبل أن يؤمروا به ، وكان الله تبارك وتعالى قد كتب في أمّ الكتاب المغانم والأسارى حلال لمحمد وأمته ، ولم يكن أحله لأمة قبلهم . وأخذوا المغانم ، وأسروا الأسارى قبل أن ينزل إليهم في ذلك ، قال الله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } يعني في الكتاب الأوّل أن المغانم والأساري حلال لكم { لمسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ … الآية ، وكانت الغنائم قبل أن يُبعث النبيّ صلى الله عليه وسلم في الأمم إذا أصابوا مغنماً جعلوه للقربان ، وحرّم الله عليهم أن يأكلوا منه قليلاً أو كثيراً ، حرم ذلك على كلّ نبيّ وعلى أمته ، فكانوا لا يأكلون منه ولا يغلّون منه ولا يأخذون منه قليلاً ولا كثيراً إلا عذّبهم الله عليه . وكان الله حرمه عليهم تحريماً شديداً ، فلم يحلّه لنبيّ إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم . وكان قد سبق من الله في قضائه أن المغنم له ولأمته حلال ، فذلك قوله يوم بدر في أخذ الفداء من الأسارى : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن عروة ، عن الحسن : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } قال : إن الله كان معطي هذه الأمة الغنيمة ، وفعلوا الذي فعلوا قبل أن تحلّ الغنيمة . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمرة قال : قال الأعمش ، في قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } قال : سبق من الله أن أحلّ لهم الغنيمة . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن بشير بن ميمون ، قال : سمعت سعيداً يحدث عن أبي هريرة ، قال : قرأ هذه الآية : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } قال : يعني : لولا أنه سبق في علمي أني سأحلّ الغنائم ، لمسّكم فيما أخذتم من الأسارى عذاب عظيم . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، وأبو معاوية ، بنحوه ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أُحِلَّتِ الغَنائمُ لأحَد سُودِ الرُّءُوسِ مِنْ قَبْلِكُمْ ، كانَتْ تَنْزِلُ نارٌ مِنَ السَّماءِ وتَأْكُلُها " ، حتى كان يوم بدر ، فوقع الناس في الغنائم ، فأنزل الله { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ … } حتى بلغ حَلالاً طَيِّباً . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ، بنحوه ، قال : فلما كان يوم بدر أسرع الناس في الغنائم . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن أشعث بن سوار ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : أسر المسلمون من المشركين سبعين وقتلوا سبعين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اخْتارُوا أنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمْ الفِدَاءَ فَتَقْوَوْا بِهِ على عَدُوّكُمْ ، وَإنْ قَبِلْتُمُوهُ قُتِلَ مِنْكُمْ سَبْعونَ ، أوْ تَقْتُلُوهُمْ " فقالوا : بل نأخذ الفدية منهم ، وقُتل منهم سبعون . قال عبيدة : وطلبوا الخيرتين كلتيهما . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، قال : كان فداء أسارى بدر : مئة أوقية والأوقية أربعون درهماً ومن الدنانير : ستة دنانير . حدثنا أبو كريب ويعقوب بن إبراهيم ، قالا : ثنا ابن علية ، قال : ثنا ابن عون ، عن ابن سيرين ، عن عبيدة ، أنه قال في أسارى بدر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنْ شِئْتُمْ قَتَلْتُمُوهُمْ ، وَإنْ شِئْتُمْ فادَيْتَمُوهُمْ وَاسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ بِعِدَّتِهِمْ " فقالوا : بلى ، نأخذ الفداء فتستمتع به ويستشهد منا بعدتهم . حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، قال : ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث ، قال : ثنا همام بن يحيى ، قال : ثنا عطاء بن السائب ، عن أبي وائل ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : أمر عمر رضي الله عنه بقتل الأسارى ، فأنزل الله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } . حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } قال : كان المغنم محرماً على كلّ نبيّ وأمته ، وكانوا إذا غنموا يجعلون المغنم لله قرباناً تأكله النار ، وكان سبق في قضاء الله وعلمه أن يحلّ المغنم لهذه الأمة يأكلون في بطونهم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء في قول الله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ } قال : كان في علم لله أن تحلّ لهم الغنائم ، فقال : لولا كتاب من الله سبق بأنه أحلّ لكم الغنائم ، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم . وقال آخرون : معنى ذلك : لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر أنه لا يعذبهم لمسهم عذاب عظيم . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيريّ ، عن شريك ، عن سالم ، عن سعيد : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } قال : لأهل بدر من السعادة . حدثنا ابن وكيع قال : ثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } لأهل بدر مشهدهم . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } قال : سبق من الله خير لأهل بدر . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } كان سبق لهم من الله خير ، وأحل لهم الغنائم . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا عبد الوارث بن سعيد ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } قال : سبق أن لا يعذّب أحداً من أهل بدر . حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } لأهل بدر ومشهدهم إياه . حدثني يونس ، قال : أخبرني ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } لمسكم فيما أخذتم من الغنائم يوم بدر قبل أن أحلها لكم . فقال : سبق من الله العفو عنهم ، والرحمة لهم سبق أن لا يعذّب المؤمنين ، لأنه لا يعذّب رسوله ومن آمن به وهاجر معه ونصره . وقال آخرون : معنى ذلك : لولا كتاب من الله سبق أن لا يؤاخذ أحداً بفعل أتاه على جهالة ، لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } لأهل بدر ومشهدهم إياه ، قال : كتاب سبق لقوله : { وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حتى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ } سبق ذلك وسبق أن لا يؤاخذ قوماً فعلوا شيئاً بجهالة . { لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ } قال ابن جريج : قال ابن عباس : فيما أخذتم مما أسرتم . ثم قال بعد : { فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : عاتبه في الأسارى وأَخْذ الغنائم ، ولم يكن أحد قبله من الأنبياء يأكل مغنماً من عدوّ له . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن محمد ، قال : ثني أبو جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نُصِرْتُ بالرُّعْبِ وَجُعِلَتْ لِيَ الأرْضُ مَسْجِداً وَطَهُوراً ، وأُعْطِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ ، وأُحِلَّتْ لِيَ المَغانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لِنَبِيَ كانَ قَبْلِي ، وأُعْطِيتُ الشَّفاعَةَ ، خَمْسٌ لَمْ يُؤتَهُنَّ نَبِيّ كانَ قَبْلِي " قال محمد : فقال : { ما كانَ لِنَبِيّ } أي قبلك { أنْ يَكُونَ لَهُ أسْرَى … } إلى قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أخَذْتُمْ } أي من الأسارى والمغانم . { عَذَابٌ عَظِيمٌ } : أي لولا أنه سبق مني أن لا أعذّب إلا بعد النهي ولم أكن نهيتكم لعذّبتكم فيما صنعتم ، ثم أحلها له ولهم رحمة ونعمة وعائدة من الرحمن الرحيم . قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قد بيناه قبل ، وذلك أن قوله : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ } خبر عام غير محصور على معنى دون معنى . وكل هذه المعاني التي ذكرتها عمن ذكرت مما قد سبق في كتاب الله أنه لا يؤاخذ بشيء منها هذه الأمة ، وذلك ما عملوا من عمل بجهالة ، وإحلال الغنيمة والمغفرة لأهل بدر ، وكل ذلك مما كتب لهم . وإذ كان ذلك كذلك فلا وجه لأن يخصّ من ذلك معنى دون معنى ، وقد عمّ الله الخبر بكل ذلك بغير دلالة توجب صحة القول بخصوصه . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : لم يكن من المؤمنين أحد ممن نصر إلا أحبّ الغنائم إلا عمر بن الخطاب ، جعل لا يلقي أسيرا إلا ضرب عنقه ، وقال : يا رسول الله مالنا وللغنائم ، نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يعبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ عُذّبْنا فِي هَذَا الأمْرِ يا عُمَرُ ما نَجا غيرُكَ " قال الله : لا تعودوا تستحلون قبل أن أحلّ لكم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : لمَّا نزلت : { لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ … } الآية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مِنَ السَّماءِ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ إلاَّ سَعْدُ بْنُ مُعاذٍ " لقوله : يا نبيّ الله كان الإثخان في القتل أحبّ إليّ من استبقاء الرجال .