Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 80, Ayat: 1-4)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني تعالى ذكره بقوله : { عَبَسَ } : قَبَضَ وجهه تكرُّها ، { وَتَوَلَّى } يقول : وأعرض { أنْ جاءَهُ الأعْمَى } يقول : لأن جاءه الأعمى . وقد ذُكر عن بعض القرّاء أنه كان يطوّل الألف ويمدّها من { أنْ جاءَهُ } فيقول : « آنْ جاءَهُ » ، وكأنّ معنى الكلام كان عنده : أَأن جاءه الأعمى عبس وتولى ؟ كما قرأ من قرأ : { أنْ كانَ ذَا مال وَبَنِينَ } بمدّ الألف من « أنْ » وقصرها . وذُكر أن الأعمى الذي ذكره الله في هذه الآية ، هو ابن أمّ مكتوم ، عوتب النبيّ صلى الله عليه وسلم بسببه . ذكر الأخبار الواردة بذلك : حدثنا سعيد بن يحيى الأمويّ ، قال : ثنا أبي ، عن هشام بن عُروة مما عرضه عليه عُروة ، عن عائشة قالت : أنزلت { عَبَسَى وَتَوَلَّى } في ابن أمّ مكتوم ، قالت : أَتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يقول : أرشدني ، قالت : وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظماء المشركين ، قالت : فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يُعْرِض عنه ، ويُقْبِل على الآخر ، ويقول : " أَتَرَى بِما أقُولُهُ بأْسا ؟ " فيقول : لا ففي هذا أُنزلت : { عَبَسَ وتَوَلَّى } . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { عَبَسَ وَتَوَّلى أنْ جاءَهُ الأعْمَى } قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يناجي عُتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعباس بن عبد المطلب ، وكان يتصدّى لهم كثيراً ، ويَعرِض عليهم أن يؤمنوا ، فأقبل إليه رجل أعمى ، يقال له عبد الله بن أم مكتوم ، يمشي وهو يناجيهم ، فجعل عبد الله يستقرىء النبيّ صلى الله عليه وسلم آية من القرآن ، وقال : يا رسول الله ، عَلِّمني مما علَّمك الله ، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعَبَس في وجهه وتوّلى ، وكرِه كلامه ، وأقبل على الآخرين فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخذ ينقلب إلى أهله ، أمسك الله بعض بصره ، ثم خَفَق برأسه ، ثم أنزل الله : { عَبَسَ وَتَولَّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى } ، فلما نزل فيه أكرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلَّمه ، وقال له : " ما حاجَتُك ، هَلْ تُرِيدُ مِنْ شَيْءٍ ؟ " وإذا ذهب من عنده قال له : " » هَلْ لَكَ حاجَةٌ فِي شَيْءٍ ؟ « " وذلك لما أنزل الله : { أمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فأنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَما عَلَيْكَ ألاَّ يَزَّكَّى } حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن هشام ، عن أبيه ، قال : نزلت في ابن أمّ مكتوم { عَبَسَ وَتَوَّلَى أنْ جاءَهُ الأعْمَى } . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله { أنْ جاءَهُ الأعْمَى } قال : رجل من بني فهر ، يقال له ابن أمّ مكتوم . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { عَبَسَ وَتَوَلَّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى } : عبد الله بن زائدة ، وهو ابن أمّ مكتوم ، وجاءه يستقرِئه ، وهو يناجي أُميَّة بن خَلَف ، رجلٌ من عِلْية قريش ، فأعرض عنه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله فيه ما تسمعون { عَبَسَ وَتَوَلَّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى } إلى قوله { فأنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى } « ذُكر لنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم استخلفه بعد ذلك مرّتين على المدينة ، في غزوتين غزاهما يصِّلي بأهلها « . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك ، أنه رآه يوم القادسية معه راية سوداء ، وعليه درع له . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة قال : جاء ابن أمّ مكتوم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يكلم أبيَّ بن خَلَف ، فأعرض عنه ، فأنزل الله عليه : { عَبَس وَتَوَلَّى } ، فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يُكرمه . قال أنس : فرأيته يوم القادسية عليه دِرْع ، ومعه راية سوداء . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { عَبَسَ وتوَّلى } تصدى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من مشركي قريش كثير المال ، ورجا أن يُؤْمن ، وجاء رجل من الأنصار أعمى ، يقال له عبد الله بن أمّ مكتوم ، فجعل يسأل نبيّ الله صلى الله عليه وسلم ، فكرهه نبيّ الله صلى الله عليه وسلم وتوَّلى عنه ، وأقبل على الغنيّ ، فوعظ الله نبيَّه ، فأكرمه نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم ، واستخلفه على المدينة مرّتين ، في غزوتين غزاهما . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، وسألته عن قول الله عزّ وجلّ : { عَبَسَ وَتَوَلَّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى } قال : جاء ابن أمّ مكتوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقائده يُبْصر ، وهو لا يبصر ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى قائده يَكُفّ ، وابن أمّ مكتوم يدفعه ولا يُبصر قال : حَّتى عَبَس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاتبه الله في ذلك ، فقال : { عَبَسَ وَتَوَلَّى أنْ جاءَهُ الأعْمَى وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } … إلى قوله : { فأنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى } قال ابن زيد : كان يقال : لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَتَمَ من الوحي شيئاً ، كتم هذا عن نفسه قال : وكان يتصدّى لهذا الشريفِ في جاهليته ، رجاء أن يسلم ، وكان عن هذا يتلهَّى . وقوله : { وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وما يدريك يا محمد ، لعلّ هذا الأعمى الذي عَبَست في وجهه يَزَّكَّى : يقول : يتطهَّر من ذنوبه . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما : حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { لَعَلَّهُ يَزَّكَّى } : يُسْلِم . وقوله : { أوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذّكْرَى } يقول : أو يتذكَّر فتنفعَه الذكرى : يعني يعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ ، والقراءة على رفع : « فتَنْفَعُهُ » عطفاً به على قوله : { يَذَّكَّرُ } ، وقد رُوي عن عاصم النصبُ فيه والرفعُ ، والنصب على أن تجعله جواباً بالفاء للعلّ ، كما قال الشاعر : @ عَلَّ صُرُوفَ الدَّهْرِ أوْ دُولاتِها يُدِلْنَنَا اللَّمَّةَ مِنْ لَمَّاتِها فَتَسْتَرِيحَ النَّفْسُ مِنْ زَفْراتِها وتُنْقَعَ الغُلَّةُ مِنْ غُلاَّتِها @@ « وتنقع » يُروى بالرفع والنصب .