Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 85, Ayat: 13-18)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اختلف أهل التأويل في معنى قوله : { إنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } فقال بعضهم : معنى ذلك : إن الله أبدى خلقه ، فهو يبتدىء ، بمعنى : يحدث خلقه ابتداء ، ثم يميتهم ، ثم يعيدهم أحياء بعد مماتهم ، كهيئتهم . قبل مماتهم . ذكر من قال ذلك : حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { يُبْدِىءُ ويُعِيدُ } يعني : الخلق . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } قال : يُبدىء الخلق حين خلقه ، ويعيده يوم القيامة . وقال آخرون : بل معنى ذلك : إنه هو يبدىء العذاب ويعيده . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس { إنَّهُ هُوَ يُبْدِىءُ وَيُعِيدُ } قال : يبدىء العذاب ويعيده . وأوليَ التأويلين في ذلك عندي بالصواب ، وأشبههما بظاهر ما دلّ عليه التنزيل ، القول الذي ذكرناه عن ابن عباس ، وهو أنه يُبدىء العذاب لأهل الكفر به ويعيد ، كما قال جلّ ثناؤه : { فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ ولَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ } في الدنيا ، فأبدأ ذلك لهم في الدنيا ، وهو يعيده لهم في الآخرة . وإنما قلت : هذا أولى التأويلين بالصواب ، لأن الله أتبع ذلك قوله { إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ } فكان للبيان عن معنى شدّة بطشه الذي قد ذكره قبله ، أشبه به بالبيان عما لم يجر له ذكر ومما يؤيد ما قلنا من ذلك وضوحاً وصحة ، قوله : { وَهُوَ الْغَفُورُ الوَدُودُ } فبين ذلك عن أن الذي قبله من ذكر خبره عن عذابه وشدّة عقابه . وقوله : { وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ } يقول تعالى ذكره : وهو ذو المغفرة لمن تاب إليه من ذنوبه ، وذو المحبة له . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { الْغَفُورُ الْوَدُودُ } يقول : الحبيب . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { الْغَفُورُ الْوَدُودُ } قال الرحيم . وقوله : { ذُو الْعَرْشِ المَجِيدُ } يقول تعالى ذكره : ذو العرش الكريم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { ذُو العَرْشِ المَجِيدُ } يقول : الكريم . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { المَجِيدُ } فقرأته عامة قرّاء المدينة ومكة والبصرة وبعض الكوفيين رفعاً ، ردّاً على قوله : { ذُو الْعَرْشِ } على أنه من صفة الله تعالى ذكره . وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة خفضاً ، على أنه من صفة العرش . والصواب من القول في ذلك عندنا : أنهما قراءتان معروفتان ، فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب . وقوله : { فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ } يقول : هو غفار لذنوب من شاء من عباده إذا تاب وأناب منها ، معاقب من أصرّ عليها وأقام ، لا يمنعه مانع من فعل أراد أن يفعله ، ولا يحول بينه وبين ذلك حائل ، لأن له مُلك السموات والأرض ، وهو العزيز الحكيم . وقوله : { هَلْ أتاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ } يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : هل جاءك يا محمد حديث الجنود ، الذين تجندوا على الله ورسوله بأذاهم ومكروههم يقول : قد أتاك ذلك وعلمته ، فاصبر لأذى قومك إياك ، لما نالوك به من مكروه ، كما صبر الذين تجند هؤلاء الجنود عليهم من رسلي ، ولا يثنيك عن تبليغهم رسالتي ، كما لم يَثْنِ الذين أرسلوا إلى هؤلاء ، فإن عاقبة من لم يصدّقك ويؤمن بك منهم إلى عطب وهلاك ، كالذي كان من هؤلاء الجنود ، ثم بين جلّ ثناؤه عن الجنود من هم ؟ فقال : { فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ } يقول : فرعون ، فاجتُزىءَ بذكره ، إذ كان رئيس جنده ، من ذكر جنده وتُبَّاعه . وإنما معنى الكلام : هل أتاك حديث الجنود فرعون وقومه وثمود وخفض فرعون ردّاً على الجنود ، على الترجمة عنهم ، وإنما فتح لأنه لا يجرى وثمود .