Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 106-106)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاء المتخلفين عنكم شخصتم لعدوّكم أيها المؤمنون آخرون . ورفع قوله آخرون عطفاً على قوله : { وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وآخَرَ سَيّئاً } { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ } يعني مرجئون لأمر الله وقضائه ، يقال منه أرجأته أرجئه إرجاءً وهو مُرْجَأٌ بالهمز وترك الهمز ، وهما لغتان معناهما واحد ، وقد قرأت القرّاء بهما جميعاً . وقيل : عنى بهؤلاء الآخرين نفر ممن كان تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، فندموا على ما فعلوا ولم يتعذروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مقدمه ، ولم يوثقوا أنفسهم بالسواري ، فأرجأ الله أمرهم إلى أن صحت توبتهم ، فتاب عليهم وعفا عنهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قال : وكان ثلاثة منهم يعني من المتخلفين عن غزوة تبوك لم يوثقوا أنفسهم بالسواري أرجئوا سبتة لا يدرون أيعذّبون أو يتاب عليهم . فأنزل الله : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ على النَّبِيّ وَالمْهاجِرِينَ } إلى قوله : { إنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت هذه الآية يعني قوله : { خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها } أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموالهم يعني من أموال أبي لبابة وصاحبيه فتصدّق بها عنهم ، وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة ، ولم يوثقوا ، ولم يذكروا بشيء ، ولم ينزل عذرهم ، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت . وهم الذين قال الله : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إمَّا يُعَذّبُهُمْ وَإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلَيمٌ حَكِيمٌ } فجعل الناس يقولون : هلكوا إذا لم ينزل لهم عذر وجعل آخرون يقولون : عسى الله أن يغفر لهم فصاروا مرجئين لأمر الله ، حتى نزلت : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ على النَّبِيّ وَالمْهاجِرِينَ والأنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوه فِي ساعَة العُسْرَةِ } الذين خرجوا معه إلى الشام { مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمُ إنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ثم قال : { وَعلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا } يعني المرجئين لأمر الله نزلت عليهم التوبة فعُمُّوا بها ، فقال : { حتى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أنْفُسُهُمْ } إلى قوله : { إنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا سويد بن عمرو ، عن حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن عكرمة : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ } قال : هم الثلاثة الذين خلفوا . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ } قال : هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج . حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ } هلال بن أمية ومرارة بن الربيع وكعب بن مالك من الأوس والخزرج . قال : ثنا إسحاق قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، مثله . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ } هم الثلاثة الذين خلفوا عن التوبة يريد غير أبي لبابة وأصحابه ولم ينزل الله عذرهم ، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت . وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فرقتين : فرقة تقول : هلكوا حين لم ينزل الله فيهم ما أنزل في أبي لبابة وأصحابه ، وتقول فرقة أخرى : عسى الله أن يعفو عنهم وكانوا مرجئين لأمر الله . ثم أنزل الله رحمته ومغفرته ، فقال : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ على النَّبِيّ وَالمْهاجِرِينَ … } الآية ، وأنزل الله : { وَعلى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا … } الآية . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ } قال : كنا نُحَدَّثُ أنهم الثلاثة الذين خلفوا : كعب بن مالك ، وهلال بن أمية ، ومرارة بن الربيع ، رهط من الأنصار . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ } قال : هم الثلاثة الذين خلفوا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { وآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللَّهِ إمَّا يُعَذّبُهُمْ وإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } وهم الثلاثة الذين خلوا ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم حتى أتتهم توبتهم من الله . وأما قوله : { إمَّا يُعَذّبُهُمْ } فإنه يعني : إما أن يحجزهم الله عن التوبة بخذلانه إياهم فيعذّبهم بذنوبهم التي ماتوا عليها في الآخرة . { وإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } يقول : وإما يوفقهم للتوبة فيتوبوا من ذنوبهم ، فيغفر لهم . { واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } يقول : والله ذو علم بأمرهم وما هم صائرون إليه من التوبة والمقام على الذنب ، حكيم في تدبيرهم وتدبير من سواهم من خلقه ، لا يدخل حكمه خلل .