Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 19-19)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا توبيخ من الله تعالى ذكره لقوم افتخروا بالسقاية وسدانة البيت ، فأعلمهم جلّ ثناؤه أن الفخر في الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله لا في الذي افتخروا به من السدانة والسقاية . وبذلك جاءت الآثار وتأويل أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا أبو الوليد الدمشقي أحمد بن عبد الرحمن ، قال : ثنا الوليد بن مسلم ، قال : ثني معاوية بن سلام ، عن جده أبي سلام الأسود ، عن النعمان بن بشير الأنصاريّ ، قال : كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فقال رجل منهم : ما أبالي ألاّ أعمل عملاً بعد الإسلام ، إلا أن أسقي الحاج وقال آخر : بل عمارة المسجد الحرام وقال آخر : بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم فزجرهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاستفتيته فيما اختلفتم فيه قال : ففعل ، فأنزل الله تبارك وتعالى : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ … } إلى قوله : { وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } . حدثنا المثنى ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كمَنْ آمَنَ باللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ } قال العباس بن عبد المطلب حين أُسر يوم بدر : لئن كنتم سبقتمونا بالإسلام والهجرة والجهاد ، لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونسقي الحاجّ ، ونفك العاني قال الله : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ … } إلى قوله : { الظَّالِمِينَ } . يعني أن ذلك كان في الشرك ، ولا أقْبَلُ ما كان في الشرك . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ … } إلى قوله : { الظَّالِمِينَ } وذلك أن المشركين قالوا : عمارة بيت الله وقيام على السقاية خير ممن آمن وجاهد وكانوا يفخرون بالحرم ويستكبرون به من أجل أنهم أهله وعماره . فذكر الله استكبارهم وإعراضهم ، فقال لأهل الحرم من المشركين : { قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ على أعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سامِراً تَهْجُرُونَ } يعني أنهم يستكبرون بالحرم ، وقال : « به سامراً » لأنهم كانوا يسمرون ويهجرون القرآن والنبيّ صلى الله عليه وسلم . فخير الإيمان بالله والجهاد مع نبيّ الله صلى الله عليه وسلم على عمران المشركين البيت وقيامهم على السقاية . ولم يكن ينفعهم عند الله مع الشرك به أن كانوا يعمرون بيته ويخدمونه ، قال الله : { لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ } يعني : الذين زعموا أنهم أهل العمارة ، فسماهم الله « ظالمين » بشركهم فلم تغن عنهم العمارة شيئاً . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن النعمان بن بشير ، أن رجلاً قال : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاجّ وقال آخر : ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر : الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم . فزجرهم عمر وقال : لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يوم الجمعة ولكن إذا صلى الجمعة دخلنا عليه . فنزلت : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ … } إلى قوله : { لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ } . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن عمرو ، عن الحسن ، قال : نزلت في عليّ وعباس وعثمان وشيبة ، تكلموا في ذلك فقال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أقِيمُوا على سِقايَتِكُمْ فإنَّ لَكُمْ فِيها خَيْراً " قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن إسماعيل ، عن الشعبيّ ، قال : نزلت في عليّ والعباس ، تكلما في ذلك . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرت عن أبي صخر ، قال : سمعت محمد بن كعب القرظي يقول : افتخر طلحة بن شيبة من بني عبد الدار ، وعباس بن عبد المطلب ، وعليّ بن أبي طالب ، فقال طلحة : أنا صاحب البيت معي مفتاحه ، لو أشاء بتّ فيه وقال عباس : أنا صاحب السقاية والقائم عليها ، ولو أشاء بتّ في المسجد وقال عليّ : ما أدري ما تقولان ، لقد صليت إلى القبلة ستة أشهر قبل الناس ، وأنا صاحب الجهاد فأنزل الله : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ … } الآية كلها . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : لما نزلت { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ } قال العباس : ما أراني إلا تارك سقايتنا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " أقِيمُوا على سِقايَتِكُمْ فإنَّ لَكُمْ فِيها خَيْراً " حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ وعِمارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كمَنْ آمَنَ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَجاهَد فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عنْد اللَّهِ } قال : افتخر عليّ وعباس وشيبة بن عثمان ، فقال العباس : أنا أفضلكم ، أنا أسقي حجاج بيت الله وقال شيبة : أنا أعمر مسجد الله وقال علي : أنا هاجرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجاهد معه في سبيل الله فأنزل الله : { الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ … } إلى : { نَعِيمٌ مُقِيمٌ } حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ … } الآية ، أقبل المسلمون على العباس وأصحابه الذين أُسروا يوم بدر يعيرونهم بالشرك ، فقال العباس : أما والله لقد كنا نعمر المسجد الحرام ، ونفك العاني ، ونحجب البيت ، ونسقي الحاجّ فأنزل الله : { أجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الحاجّ . … } الآية . فتأويل الكلام إذن : أجعلتم أيها القوم سقاية الحاجّ ، وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ، لا يستوون هؤلاء وأولئك ، ولا تعتدل أحوالهما عند الله ومنازلهما لأن الله تعالى لا يقبل بغير الإيمان به وباليوم الآخر عملاً . { واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْم الظَّالِمِينَ } يقول : والله لا يوفق لصالح الأعمال من كان به كافرا ولتوحيده جاحداً . ووضع الاسم موضع المصدر في قوله : { كمَنْ آمَنَ باللَّهِ } إذ كان معلوماً معناه ، كما قال الشاعر : @ لَعَمْرُكَ ما الفِتْيانُ أنْ تَنْبُتَ اللِّحَى وَلَكِنَّما الفِتْيانُ كُلُّ فَتىً نَدِي @@ فجعل خبر الفتيان « أن » ، وهو كما يقال : إنما السخاء حاتم والشعر زهير .