Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 28-28)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره للمؤمنين به وبرسوله وأقرّوا بوحدانيته : ما المشركون إلا نجس . واختلف أهل التأويل في معنى النجَس وما السبب الذي من أجله سماهم بذلك ، فقال بعضهم : سماهم بذلك لأنهم يُجْنِبون فلا يغتسلون ، فقال : هم نجس ، ولا يقربوا المسجد الحرام ، لأن الجنب لا ينبغي له أن يدخل المسجد . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، في قوله : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ } : لا أعلم قتادة إلا قال : النجَس : الجنابة . وبه عن معمر ، قال : وبلغني أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة ، وأخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده ، فقال حذيفة : يا رسول الله إني جُنُب فقال : " إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُس " حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ } : أي أجناب . وقال آخرون : معنى ذلك : ما المشركون إلا رجس خنزير أو كلب . وهذ قول رُوي عن ابن عباس من وجه غير حميد ، فكرهنا ذكره . وقوله : { فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } يقول للمؤمنين : فلا تدعوهم أن يقربوا المسجد الحرام بدخولهم الحرَم . وإنما عني بذلك منعهم من دخول الحرَم ، لأنهم إذا دخلوا الحرَم فقد قربوا المسجد الحرام . وقد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم فيه نحو الذي قلناه . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر وابن المثنى ، قالا : ثنا أبو عاصم ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : قال عطاء : الحرَم كله قبلة ومسجد ، قال : { فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامَ } لم يعن المسجد وحده ، إنما عنى مكة والحرَم . قال ذلك غير مرة . وذُكر عن عمر بن عبد العزيز في ذلك ما : حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير ، قال : ثني الوليد بن مسلم ، قال : ثنا أبو عمرو : أن عمر بن عبد العزيز كتب : أن امنعوا اليهود والنصارى من دخول مساجد المسلمين وأتبع في نهيه قول الله : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن أشعث ، عن الحسن : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ } قال : لا تصافحوهم ، فمن صافحهم فليتوضأ . وأما قوله : { بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } فإنه يعني : بعد العام الذي نادى فيه عليّ رحمة الله عليه ببراءة ، وذلك عامَ حجّ بالناس أبو بكر ، وهي سنة تسع من الهجرة . كما : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } وهو العام الذي حجّ فيه أبو بكر ، ونادى عليّ رحمة الله عليهما بالأذان وذلك لتسع سنين مضين من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . وحجّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم من العام المقبل حِجة الوداع لم يحجّ قبلها ولا بعدها . وقوله : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً } يقول للمؤمنين : وإن خفتم فاقة وفقراً ، بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام . { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إنْ شَاءَ } يقال منه : عال يَعِيل عَيْلَةً وعُيُولاً ، ومنه قول الشاعر : @ وَما يَدْرِي الفَقِيرُ مَتَى غناهُ وَما يَدْرِي الغَنيُّ مَتَى يَعِيلُ @@ وقد حُكي عن بعضهم أن من العرب من يقول في الفاقة : عال يَعُول بالواو . وذكر عن عمر بن فائد أنه كان تأوّل قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } بمعنى : وإذ خفتم ، ويقول : كان القوم قد خافوا ، وذلك نحو قول القائل لأبيه : إن كنت أبي فأكرمني ، بمعنى : إذ كنت أبي . وإنما قيل ذلك لهم ، لأن المؤمنين خافوا بانقطاع المشركين عن دخول الحرم انقطاع تجاراتهم ودخول ضرر عليهم بانقطاع ذلك ، وأمَّنهم الله من العَيْلة وعوّضهم مما كانوا يكرهون انقطاعه عنهم ما هو خير لهم منه ، وهو الجزية ، فقال لهم : { قاتلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمنُونَ باللَّهِ وَلا باليَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ … } إلى : { صَاغِرُونَ } وقال قوم بإدرار المطر عليهم . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني المثنى ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } قال : لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحزن ، قال : من أين تأكلون وقد نُفي المشركون وانقطعت عنكم العِير ؟ فقال الله : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إنْ شاءَ } فأمرهم بقتال أهل الكتاب ، وأغناهم من فضله . حدثنا هناد بن السريّ ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن سماك ، عن عكرمة ، في قوله : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } قال : كان المشركون يجيئون إلى البيت ، ويجيئون معهم بالطعام ويَتَّجرون فيه فلما نهُوُا أن يأتوا البيت قال المسلمون : من أين لنا طعام ؟ فأنزل الله : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إنْ شَاءَ } فأنزل عليهم المطر ، وكثر خيرهم حين ذهب عنهم المشركون . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا حميد بن عبد الرحمن ، عن عليّ بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ … } الآية ، ثم ذكر نحو حديث هناد ، عن أبي الأحوص / حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن واقد ، عن سعيد بن جبير ، قال : لما نزلت : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : من يأتينا بطعامنا ، ومن يأتينا بالمتاع ؟ فنزلت : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إنْ شَاءَ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن واقد مولى زيد بن خليدة ، عن سعيد بن جبير ، قال : كان المشركون يقدمون عليهم بالتجارة ، فنزلت هذه الآية : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ … } إلى قوله : { عَيلَةً } قال : الفقر . { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية العوفيّ ، قال : قال المسلمون : قد كنا نصيب من تجارتهم وبياعاتهم ، فنزلت : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ … } إلى قوله : { مِنْ فَضْلِهِ } . حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : سمعت أبي ، أحسبه قال : أنبأنا أبو جعفر ، عن عطية ، قال : لما قيل : ولا يحجّ بعد العام مشرك قالوا : قد كنا نصيب من بياعاتهم في الموسم . قال : فنزلت : { يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } يعني : بما فاتهم من بياعاتهم . حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : ثنا ابن يمان ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } قال : بالجزية . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن يمان وأبو معاوية ، عن أبي سنان ، عن ثابت ، عن الضحاك ، قال : أخرج المشركون من مكة ، فشقّ ذلك على المسلمين ، وقالوا : كنا نصيب منهم التجارة والمِيرة . فأنزل الله : { قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ باللَّهِ وَلا باليَوْمِ الآخِرِ } حُدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } كان ناس من المسلمين يتألفون العير فلما نزلت براءة بقتال المشركين حيثما ثُقِفوا ، وأن يقعدوا لهم كل مرصد ، قذف الشيطان في قلوب المؤمنين . فمن أين تعيشون وقد أمرتم بقتال أهل العِير ؟ فعلم الله من ذلك ما علم ، فقال : أطيعوني ، وامضوا لأمري ، وأطيعوا رسولي ، فإني سوف أغنيكم من فضلي فتوكل لهم الله بذلك . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ … } إلى قوله : { فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إنْ شاءَ } قال : قال المؤمنون : كنا نصيب من متاجر المشركين . فوعدهم الله أن يغنيهم من فضله عوضاً لهم بأن لا يقربوهم المسجد الحرام . فهذه الآية من أوّل براءة في القراءة ، ومن آخرها في التأويل : { قاتِلُوا الَّذِينَ لا يؤمِنُونَ باللَّهِ وَلا باليَوْمِ الآخِرِ … } إلى قوله : { عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } حين أمر محمد وأصحابه بغزوة تبوك . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، بنحوه . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام ، شقّ ذلك على المسلمين ، وكانوا يأتون ببياعات ينتفع بذلك المسلمون ، فأنزل الله تعالى ذكره : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } فأغناهم بهذا الخراج الجزية الجارية عليهم ، يأخذونها شهراً شهراً ، عاماً عاماً . فليس لأحد من المشركين أن يقرَب المسجد الحرام بعد عامهم بحال إلا صاحب الجزية ، أو عبد رجل من المسلمين . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في قوله : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الذمة . قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } قال : إلا صاحب جزية ، أو عبدا لرجل من المسلمين . حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة ، قال : ثنا حجاج ، عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول في هذه الآية : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ } إلا أن يكون عبداً أو أحداً من أهل الجزية . حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } قال : أغناهم الله بالجزية الجارية شهراً فشهراً وعاماً فعاماً . حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد ، قال : ثنا عباد بن العوّام ، عن الحجاج ، عن أبي الزبير ، عن جابر : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا } قال : لا يقرب المسجد الحرام بعد عامه هذا مشرك ولا ذميّ . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا المَسْجِدَ الحَرَامِ بَعْدَ عامِهِمْ هَذَا وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً } وذلك أن الناس قالوا : لُتْقَطَعنّ عنا الأسواق ولَتهلِكنّ التجارة وليذهبنّ ما كنا نصيب فيها من المرافق فنزل : { وَإنْ خِفْتُمْ عَيلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ } من وجه غير ذلك { إنْ شاءَ … } إلى قوله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } ، ففي هذا عوض مما تخوّفتم من قطع تلك الأسواق . فعوّضهم الله بما قطع عنهم من أمر الشرك ما أعطاهم من أعناق أهل الكتاب من الجزية . وأما قوله : { إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فإن معناه : إن الله عليم بما حدثْتكم به أنفسكم أيها المؤمنون من خوف العيلة عليها بمنع المشركين من أن يقربوا المسجد الحرام ، وغير ذلك من مصالح عباده ، حكيم في تدبيره إياهم وتدبير جميع خلقه .