Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 31-31)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول جلّ ثناؤه : اتخذ اليهود أحبارهم ، وهم العلماء . وقد بينت تأويل ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا . قيل واحدهم حِبْر وحَبْر بكسر الحاء منه وفتحها . وكان يونس الجرميّ فيما ذكر عنه يزعم أنه لم يسمع ذلك إلا « حِبر » بكسر الحاء ، ويحتجّ بقول الناس : هذا مداد حِبْر ، يراد به : مداد عالم . وذكر الفراء أنه سمعه حِبراً وحَبراً بكسر الحاء وفتحها . والنصارى رهبانهم ، وهم أصحاب الصوامع وأهل الاجتهاد في دينهم منهم . كما : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سلمة ، عن الضحاك : { اتَّخَذُوا أحبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ } قال : قرّاءهم وعلماءهم . { أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } يعني : سادة لهم من دون الله يطيعونهم في معاصي الله ، فيحلون ما أحلوه لهم مما قد حرّمه الله عليهم ويحرّمون ما يحرّمونه عليهم مما قد أحله الله لهم . كما : حدثني الحسن بن يزيد الطحان ، قال : ثنا عبد السلام بن حرب الملائي ، عن غطيف بن أعين ، عن مصعب بن سعد ، عن عديّ بن حاتم ، قال : انتهيت إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ في سورة براءة : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } فقال : " أَما إنَّهُمْ لم يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ ، ولَكِنْ كَانُوا يُحِلُّونَ لهم فَيُحِلّونَ " حدثنا أبو كريب وابن وكيع ، قالا : ثنا مالك بن إسماعيل ، وحدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : ثنا أبو أحمد جميعاً عن عبد السلام بن حرب ، قال : ثنا غطيف بن أعين ، عن مصعب بن سعد ، عن عديّ بن حاتم ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب من ذهب ، فقال : " يا عَدِيّ اطْرَحْ هذا الوَثَنَ مِنْ عُنُقِكَ " قال : فطرحته وانتهيت إليه وهو يقرأ في سورة براءة ، فقرأ هذه الآية : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال : قلت : يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم فقال : " أليس يَحرّمونَ ما أحَلَّ اللَّهُ فَتُحَرّمُونَهُ ، ويُحِلُّونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَتُحِلُّونَهُ ؟ " قال : قلت : بلى . قال : " فَتِلكَ عِبادَتُهُمْ " واللفظ لحديث أبي كريب . حدثني سعيد بن عمرو السكوني ، قال : ثنا بقية عن قيس بن الربيع ، عن عبد السلام بن حرب النهدي ، عن غطيف ، عن مصعب بن سعد ، عن عديّ بن حاتم ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة براءة فلما قرأ : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } قلت : يا رسول الله ، أما إنهم لم يكونوا يصلون لهم ؟ قال : " صَدَقْتَ ، ولَكِنْ كانُوا يُحِلُّونَ لَهُمْ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيَسْتَحِلُّونَهُ ، ويُحَرِّمُونَ ما أحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ فَيُحَرّمُونَهُ " حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، عن حذيفة ، أنه سئل عن قوله : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } أكانوا يعبدونهم ؟ قال : لا ، كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه ، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن أبي البختريّ ، قال : قيل لأبي حذيفة فذكر نحوه ، غير أنه قال : ولكن كانوا يحلون لهم الحرام فيستحلونه ، ويحرّمون عليهم الحلال فيحرّمونه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا يزيد بن هارون ، عن العوّام بن حوشب ، عن حبيب ، عن أبي البختري قال : قيل لحذيفة : أرأيت قول الله : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ } ؟ قال : أما إنهم لم يكونوا يصومون لهم ، ولا يصلون لهم ، ولكنهم كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه ، وإذا حرّموا عليهم شيئاً أحله الله لهم حرّموه ، فتلك كانت ربوبيتهم . قال : ثنا جرير وابن فضيل ، عن عطاء ، عن أبي البختري : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال : انطلقوا إلى حلال الله فجعلوه حراماً ، وانطلقوا إلى حرام الله فجعلوه حلالاً ، فأطاعوهم في ذلك ، فجعل الله طاعتهم عبادتهم ، ولو قالوا لهم اعبدونا لم يفعلوا . حدثني الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا الثوري ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي البختري ، قال : سأل رجل حذيفة ، فقال : يا أبا عبد الله أرأيت قوله : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } أكانوا يعبدونهم ؟ قال : لا ، كانوا إذا أحلوا لهم شيئاً استحلوه ، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرّموه . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن أشعث ، عن الحسن : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً } قال : في الطاعة . حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } يقول : وزينوا لهم طاعتهم . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال عبد الله بن عباس : لم يأمروهم أن يسجدوا لهم ، ولكن أمروهم بمعصية الله ، فأطاعوهم ، فسماهم الله بذلك أرباباً . حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن نمير ، عن أبي جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً } قال : قلت لأبي العالية : كيف كانت الربوبية التي كانت في بني إسرائيل ؟ قال قالوا : ما أمرونا به ائتمرنا ، وما نهونا عنا انتهينا لقولهم : وهم يجدون في كتاب الله ما أمروا به وما نهوا عنه ، فاستنصحوا الرجال ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم . حدثني بشر بن سويد ، قال : ثنا سفيان ، عن عطاء بن السائب ، عن أبي البختري ، عن حذيفة : { اتَّخَذُوا أحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ } قال : لم يعبدوهم ، ولكنهم أطاعوهم في المعاصي . وأما قوله : { والمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ } فإن معناه : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم والمسيح ابن مريم أرباباً من دون الله . وأما قوله : { وَما أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً وَاحِداً } فإنه يعني به : وما أمر هؤلاء اليهود والنصارى الذين اتخذوا الأحبار والرهبان والمسيح أرباباً إلا أن يعبدوا معبوداً واحداً ، وأن يطيعوا إلا ربًّا واحداً دون أرباب شتى وهو الله الذي له عبادة كلّ شيء وطاعة كلّ خلق ، المستحقّ على جميع خلقه الدينونة له بالوحدانية والربوبية ، لا إله إلا هو . يقول تعالى ذكره : لا تنبغي الألوهة إلا لواحد الذي أمر الخلق بعبادته ، ولزمت جميع العباد طاعته . { سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } يقول : تنزيهاً وتطهيراً لله عما يشرك في طاعته وربوبيته القائلون عزير ابن الله ، والقائلون المسيح ابن الله ، المتخذون أحبارهم أرباباً من دون الله .