Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 47-47)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : لو خرج أيها المؤمنون فيكم هؤلاء المنافقون ، { ما زَادُوكُمْ إلاَّ خَبالاً } يقول : لم يزيدوكم بخروجهم فيكم إلا فساداً وضرّاً ولذلك ثبطتهم عن الخروج معكم . وقد بيَّنا معنى الخبال بشواهده فيما مضى قبل . { وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } يقول : ولأسرعوا بركائبهم السير بينكم . وأصله من إيضاع الخيل والركاب ، وهو الإسراع بها في السير ، يقال للناقة إذا أسرعت السير : وضعت الناقة تضع وضعاً ومَوْضُوعاً ، وأوضعها صاحبها : إذا جدّ بها وأسرع يُوضِعُها إيضاعاً ومنه قول الراجز : @ يا لَيْتَنِي فِيها جَذَعْ أخُبُّ فيها وأضَعْ @@ وأما أصل الخلال : فهو من الخلل : وهي الفرج تكون بين القوم في الصفوف وغيرها ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم : " تَرَاصُّوا فِي الصُّفُوفِ لا يَتَخَلَّلُكُمْ أوْلادُ الحَذَفِ " وأما قوله : { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } فإن معنى يبغونكم الفتنة : يطلبون لكم ما تفتنون به عن مخرجكم في مغزاكم ، بتثبيطهم إياكم عنه ، يقال منه : بغيته الشرّ ، وبغيته الخير أبغيه بغاءً : إذا التمسته له ، بمعنى : بغيت له ، وكذلك عكمتك وحلبتك ، بمعنى : حلبت لك وعكمت لك ، وإذا أرادوا أعنتك على التماسه وطلبه ، قالوا : أبغيتك كذا وأحلبتك وأعكمتك : أي أعنتك عليه . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُم } بينكم { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } بذلك . حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } يقول : ولأوضعوا أسلحتهم خلالكم بالفتنة . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } يبطئونكم . قال : رفاعة بن التابوت ، وعبد الله بن أبيّ ابن سلول ، وأوس بن قيظي . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } قال : لأسرعوا الأزقة خلالكم . { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } يبطئونكم ، عبد الله بن نبتل ، ورفاعة بن تابوت ، وعبد الله بن أبيّ ابن سلول . قال : حدثنا الحسن ، قال : ثني أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة : { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ } قال : لأسرعوا خلالكم { يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } بذلك . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زَادُوكُمْ إلاَّ خَبالاً } قال : هؤلاء المنافقون في غزوة تبوك ، يُسّليّ الله عنهم نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، فقال : وما يُحْزِنكم . { ولأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفِتْنَةَ } الكفر . وأما قوله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وفيكم سماعون لحديثكم لهم يؤدونه إليهم عيون لهم عليكم . ذكر من قال ذلك : حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } يحدّثون بأحاديثكم ، عيونٌ غير منافقين . حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } قال : محدّثون عيون غير منافقين . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } يسمعون ما يؤدونه لعدوّكم . وقال آخرون : بل معنى ذلك : وفيكم من يسمع كلامهم ويطيع لهم . ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } وفيكم من يسمع كلامهم . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان الذين استأذنوا فيما بلغني من ذوي الشرف منهم : عبد الله بن أبيّ ابن سلولَ والجدّ بن قيس ، وكانوا أشرافا في قومهم ، فثبطهم الله لعلمه بهم أن يخرجوا معهم فيفسدوا عليه جنده ، وكان في جنده قوم أهل محبة لهم وطاعة فيما يدعونهم إليه لشرفهم فيهم ، فقال : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } فعلى هذا التأويل : وفيكم أهل سمع وطاعة منكم لو صحبوكم أفسدوهم عليكم بتثبيطهم إياهم عن السير معكم . وأما على التأويل الأوّل ، فإن معناه : وفيكم منهم سماعون يسمعون حديثكم لهم ، فيبلغونهم ويؤدونه إليهم عيون لهم عليكم . قال أبو جعفر : وأولى التأويلين عندي في ذلك بالصواب تأويل من قال : معناه : وفيكم سماعون لحديثكم لهم يبلغونه عنكم عيون لهم ، لأن الأغلب من كلام العرب في قولهم : سماع ، وصف من وصف به أنه سماع للكلام ، كما قال الله جلّ ثناؤه في غير موضع من كتابه : سمَّاعُونَ للْكَذِبِ واصفاً بذلك قوماً بسماع الكذب من الحديث . وأما إذا وصفوا الرجل بسماع كلام الرجل وأمره ونهيه وقبوله منه ، وانتهائه إليه فإنما تصفه بأنه له سامع ومطيع ، ولا تكاد تقول : هو له سماع مطيع . وأما قوله : { وَاللَّهُ عَلِيمٌ بالظَّالِمِينَ } فإن معناه : والله ذو علم بمن يوجه أفعاله إلى غير وجوهها ويضعها في غير مواضعها ، ومن يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعذر ومن يستأذنه شكًّا في الإسلام ونفاقاً ، ومن يسمع حديث المؤمنين ليخبر به المنافقين ومن يسمعه ليسرّ بما سرّ المؤمنين ويساء بما ساءهم ، لا يخفى عليه شيء من سرائر خلقه وعلانيتهم . وقد بيَّنا معنى الظلم في غير موضع من كتابنا هذا بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .