Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 5-5)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يعني جلّ ثناؤه بقوله : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ } فإذا انقضى ومضى وخرج ، يقال منه : سلخنا شهر كذا نسلخه سَلْخاً وسُلُوخاً ، بمعنى : خرجنا منه ، ومنه قولهم : شاة مسلوخة ، بمعنى : المنزوعة من جلدها المخرجة منه ويعني بالأشهر الحرم : ذا القعدة ، وذا الحجة ، والمحرّم ، أو إنما أريد في هذا الموضع انسلاخ المحرّم وحده ، لأن الأذان كان ببراءة يوم الحجّ الأكبر ، فمعلوم أنهم لم يكونوا أجلوا الأشهر الحرم كلها وقد دللنا على صحة ذلك فيما مضى . ولكنه لما كان متصلاً بالشهرين الآخرين قبله الحرامين وكان هولهما ثالثا وهي كلها متصل بعضها ببعض ، قيل : فإذا انسلخ الأشهر الحرم . ومعنى الكلام : فإذا انقضت الأشهر الحرم الثلاثة عن الذين لا عهد لهم ، أو عن الذين كان لهم عهد ، فنقضوا عهدهم بمظاهرتهم الأعداء على رسول الله وعلى أصحابه ، أو كان عهدهم إلى أجل غيره معلوم { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ } يقول : فاقتلوهم { حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } يقول : حيث لقيتوهم من الأرض في الحرم وغير الحرم في الأشهر الحُرم وغير الأشهر الحرم . { وَخُذُوهُمْ } يقول : وأسروهم { وَاحْصُرُوهُمْ } يقول : وامنعوهم من التصرف في بلاد الإسلام ودخول مكة . { وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلِّ مَرْصَدٍ } يقول : واقعدوا لهم بالطلب لقتلهم أو أسرهم كلّ مرصد ، يعني : كلّ طريق ومرقب ، وهو مفعل من قول القائل رصدت فلاناً أرصُده رَصْداً ، بمعنى : رقبته . { فإنْ تابُوا } يقول : فإن رجعوا عما نهاهم عليه من الشرك بالله وجحود نبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له ، دون الآلهة والأنداد ، والإقرار بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم { وأقامُوا الصَّلاةَ } يقول : وأدّوا ما فرض الله عليهم من الصلاة بحدودها وأعْطُوا الزَّكاةَ التي أوجبها الله عليهم في أموالهم أهلها . { فخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } يقول : فدعوهم يتصرّفون في أمصاركم ويدخلون البيت الحرام . { إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } لمن تاب من عباده ، فأناب إلى طاعته بعد الذي كان عليه من معصيته ، ساتر على ذنبه ، رحيم به أن يعاقبه على ذنوبه السالفة قبل توبته ، بعد التوبة . وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في الذين أُجّلوا إلى انسلاخ الأشهر الحرم . وبنحو ما قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا عبد الأعلى بن واصل الأسديّ ، قال : ثنا عبد الله بن موسى ، قال : أخبرنا أبو جعفر الرازي عن الربيع ، عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا على الإخْلاص للَّهِ وَحْدَهُ وَعِبَادَتِهِ لا يُشْرِكُ بهِ شَيْئاً ، فَارَقها والله عَنْهُ رَاضٍ " قال : وقال أنس : هو دين الله الذي جاءت به الرسل ، وبلغوه عن ربهم قبل هرج الأحاديث واختلاف الأهواء ، وتصديق ذلك في كتاب الله في آخر ما أنزل الله ، قال الله : { فإنْ تَابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ فخَلُّوا سَبِيلَهُمْ } قال : توبتهم خلع الأوثان وعبادة ربهم ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة . ثم قال في آية أخرى : { فإنْ تَابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ فإخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ } حدثنا بشر بن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } حتى ختم آخر الآية . وكان قتادة يقول : خلوا سبيل من أمركم الله أن تخلوا سبيله ، فإنما الناس ثلاثة رهط : مسلم عليه الزكاة ، ومشرك عليه الجزية ، وصاحب حرب يأمن بتجارته في المسلمين إذا أعطى عشور ماله . حدثني محمد بن الحسين ، قال : ثنا أحمد بن المفضل ، قال : ثنا أسباط ، عن السديّ : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ } وهي الأربعة التي عددت لك ، يعني عشرين من ذي الحجة والمحرّم وصفر وربيعاً الأول وعشراً من شهر ربيع الآخر . وقال قائلوا هذه المقالة : قيل لهذه الأشهر الحرم لأن الله عزّ وجلّ حرّم على المؤمنين فيها دماء المشركين والعَرْض لهم إلا بسبيل خير . ذكر من قال ذلك : حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن إبراهيم بن أبي بكر ، أنه أخبره ، عن مجاهد وعمرو بن شعيب ، في قوله : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ } أنها الأربعة التي قال الله : { فَسِيحُوا في الأرْضِ } قال : هي الحرم من أجل أنهم أومنوا فيها حتى يسيحوها . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذَينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ فَسِيحُوا في الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ } قال : ضرب لهم أجل أربعة أشهر ، وتبرأ من كلّ مشرك ، ثم أمر إذا انسلخت تلك الأشهر الحرم { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلِّ مَرْصَدٍ } لا تتركوهم يضربون في البلاد ، ولا يخرجون للتجارة ، ضيقوا عليهم . بعدها أمر بالعفو : { فإنْ تَابُوا وأقامُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : { فإذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ } يعني الأربعة التي ضرب الله لهم أجلاً لأهل العهد العام من المشركين . { فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كْلِّ مَرْصَدٍ … } الآية .