Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 9, Ayat: 81-81)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : فرح الذين خلفهم الله عن الغزو مع رسوله والمؤمنين به وجهاد أعدائه بمقعدهم { خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ } يقول : بجلوسهم في منازلهم خلاف رسول الله ، يقول : على الخلاف لرسول الله في جلوسه ومقعده . وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالنفر إلى جهاد أعداء الله ، فخالفوا أمره وجلسوا في منازلهم . وقوله : { خِلاف } مصدر من قول القائل : خالف فلان فلاناً فهو يخالفه خلافاً فلذلك جاء مصدره على تقدير فعال ، كما يقال : قاتله فهو يقاتله قتالاً ، ولو كان مصدراً من خلَفه ، لكانت القراءة : « بمقعدهم خلف رسول الله » ، لأن مصدر خلفه خلفٌ ، لا خِلاف ، ولكنه على ما بينت من أنه مصدر خالف ، فقرىء : { خِلافَ رَسُولِ الله } وهي القراءة التي عليها قراءة الأمصار ، وهي الصواب عندنا . وقد تأوّل بعضهم ذلك ، بمعنى : بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستشهد على ذلك بقول الشاعر : @ عَقَبَ الرَّبِيعُ خِلافَهُمْ فَكأنمَا بَسَطَ الشَّوَاطِبُ بَيْنَهُنَّ حَصِيرَا @@ وذلك قريب لمعنى ما قلنا ، لأنهم قعدوا بعده على الخلاف له . وقوله : { وكَرِهُوا أنْ يُجاهِدُوا بأمُوَالِهِمْ وأنْفُسِهمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } يقول تعالى ذكره : وكره هؤلاء المخلفون أن يغزوا الكفار بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله يعني : في دين الله الذي شرعه لعباده لينصروه ، ميلاً إلى الدَّعَة والخَفْض ، وإيثاراً للراحة على التعب والمشقة ، وشُحًّا بالمال أن ينفقوه في طاعة الله . { وَقالُوا لا تَنْفِرُوا في الحَرّ } وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم استنفرهم إلى هذه الغزوة ، وهي غزوة تبوك في حرّ شديد ، فقال المنافقون بعضهم لبعض : لا تنفروا في الحرّ فقال الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد نار جهنم التي أعدّها الله لمن خالف أمره وعصى رسوله ، أشدّ حرّاً من هذا الحرّ الذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه . يقول : الذي هو أشدّ حرّاً أحرى أن يحذر ويتقي من الذي هو أقلهما أذى . { لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ } يقول : لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن الله وعظه ويتدبرون آي كتابه ، ولكنهم لا يفقهون عن الله ، فهم يحذرون من الحرّ أقله مكروها وأخفه أذى ، ويوافقون أشدّه مكروهاً وأعظمه على من يصلاه بلاء . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : { فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهمْ خلافَ رَسُولِ اللَّهِ … } إلى قوله : { يَفْقَهُونَ } ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه ، وذلك في الصيف ، فقال رجال : يا رسول الله ، الحرّ شديد ولا نستطيع الخروج ، فلا تنفر في الحرّ فقال الله : { قلْ نارُ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرّاً لو كانوا يفقهون } فأمره الله بالخروج . حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { بمقعدهم خلاف رسول الله } قال : من غزوة تبوك . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز قال : ثنا أبو معشر ، عن محمد بن كعب القرظي وغيره ، قالوا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ شديد إلى تبوك ، فقال رجل من بني سلمة : لا تنفروا في الحرّ فأنزل الله : { قُلْ نارُ جَهَنَّمَ … } الآية . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ذكر قول بعضهم لبعض ، حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجهاد ، وأجمع السير إلى تبوك على شدّة الحرّ وجدب البلاد ، يقول الله جلّ ثناؤه : { وَقَالُوا لاَ تَنْفِرُوا فِي الحرّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أشَدُّ حَرّاً } .