Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 9, Ayat: 90-90)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : { وَجاءَ } رسول الله صلى الله عليه وسلم { المُعَذّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ ليُؤْذَنَ لَهُمْ } في التخلف . { وَقَعَدَ } عن المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والجهاد معه { الَّذِينَ كَذَّبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ } وقالوا الكذب ، واعتذروا بالباطل فيهم . يقول تعالى ذكره : سيصيب الذين جحدوا توحيد الله ونبوّة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم منهم عذاب أليم . فإن قال قائل : فكيف قيل : { وَجَاءَ المُعَذّرُونَ } وقد علمت أن المعذِّر في كلام العرب إنما هو الذي يُعَذِّر في الأمر ، فلا يبالغ فيه ولا يُحكمه ، وليست هذه صفة هؤلاء ، وإنما صفتهم أنهم كانوا قد اجتهدوا في طلب ما ينهضون به مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدوّهم ، وحرصوا على ذلك ، فلم يجدوا إليه السبيل ، فهم بأن يوصفوا بأنهم قد أعذروا أولى وأحقّ منهم بأن يوصفوا بأنهم عذروا . إذا وصفوا بذلك . فالصواب في ذلك من القراءة ما قرأه ابن عباس ، وذلك ما : حدثنا المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا ابن أبي حماد ، قال : ثنا بشر بن عمار ، عن أبي روق عن الضحاك ، قال : كان ابن عباس يقرأ : { وّجاء المُعْذِرُونَ } مخففة ، ويقول : هم أهل العذر . مع موافقة مجاهد إياه وغيره عليه ؟ قيل : إن معنى ذلك على غير ما ذهبت إليه ، وإن معناه : وجاء المعتذرون من الأعراب ولكن التاء لما جاورت الذال أدغمت فيها ، فصُيرتا ذالاً مشددة لتقارب مخرج إحداهما من الأخرى ، كما قيل : يَذَّكَّرون في يتذكرون ، ويذَّكر في يتذكر . وخرجت العين من المعذرين إلى الفتح ، لأن حركة التاء من المعتذرين وهي الفتحة نقلت إليها فحركت بما كانت به محركة ، والعرب قد توجه في معنى الاعتذار إلى الإعذار ، فتقول : قد اعتذر فلان في كذا ، يعني : أعذر ، ومن ذلك قول لبيد : @ إلى الحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلامِ عَلَيْكُما وَمَنْ يَبْكِ حَوْلاً كامِلاً فقدِ اعْتَذَرْ @@ فقال : فقد اعتذر ، بمعنى : فقد أعذر . على أن أهل التأويل ، قد اختلفوا في صفة هؤلاء القوم الذين وصفهم الله بأنهم جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم معذِّرين ، فقال بعضهم : كانوا كاذبين في اعتذارهم ، فلم يعذرهم الله . ذكر من قال ذلك : حدثني أبو عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، عن الحسين ، قال : كان قتادة يقرأ : { وجَاءَ المُعَذَّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ } قال : اعتذروا بالكتب . حدثني الحرث ، قال : ثنا عبد العزيز ، قال : ثنا يحيى بن زكريا ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : { وجَاءَ المُعَذَّرُونَ مِنَ الأعْرَابِ } قال نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا ، فلم يعذرهم الله . فقد أخبر من ذكرنا من هؤلاء أن هؤلاء القوم إنما كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحقّ . فغير جائز أن يوصفوا بالإعذار إلا أن يوصفوا بأنهم أعذروا في الاعتذار بالباطل . فأما بالحقّ على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء ، فغير جائز أن يوصفوا به . وقد كان بعضهم يقول : إنما جاءوا معذرين غير جادّين ، يعرضون ما لا يريدون فعله . فمن وجهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك ، غير أني لا أعلم أحداً من أهل العلم بتأويل القرآن وجّه تأويله إلى ذلك ، فأستحبّ القول به . وبعد ، فإن الذي عليه من القراءة قرّاء الأمصار التشديد في الذال ، أعني من قوله : { المُعَذّرُونَ } ففي ذلك دليل على صحة تأويل من تأوّله بمعنى الاعتذار لأن القوم الذين وصفوا بذلك لم يكلفوا أمراً عذروا فيه ، وإنما كانوا فرقتين إما مجتهد طائع وإما منافق فاسق لأمر الله مخالف ، فليس في الفريقين موصوف بالتعذير في الشخوص مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو معذر مبالغ ، أو معتذر . فإذا كان ذلك كذلك ، وكانت الحجة من القرّاء مجمعة على تشديد الذال من « المعذرين » ، علم أن معناه ما وصفناه من التأويل . وقد ذكر عن مجاهد في ذلك موافقة ابن عباس . حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن حميد ، قال : قرأ مجاهد : « وَجاءَ المُعْذِرُونَ » مخففة ، وقال : هم أهل العلم العذر . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان المعذرون .