Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 96, Ayat: 14-19)
Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول تعالى ذكره : ألم يعلم أبو جهل إذ ينهى محمداً عن عبادة ربه ، والصلاة له ، بأن الله يراه فيخاف سطوته وعقابه . وقيل : أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ، أرأيت إن كان على الهدى ، فكررت أرأيت مرات ثلاثاً على البدل . والمعنى : أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى ، وهو مكذّب متولّ عن ربه ، ألم يعلم بأن الله يراه . وقوله : { كَلاَّ لَئِن لَمْ يَنْتَهِ } يقول : ليس كما قال : إنه يطأ عنق محمد ، يقول : لا يقدر على ذلك ، ولا يصل إليه . وقوله : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ } يقول : لئن لم ينته أبو جهل عن محمد { لَنَسْفَعاً بالنَّاصِيَةِ } يقول : لنأخذن بمقدّم رأسه ، فلنضمنه ولنذلنه يقال منه : سَفَعْتُ بيده : إذا أخذت بيده . وقيل : إنما قيل { لَنَسْفَعاً بالنَّاصِيَةِ } والمعنى : لنسوّدنّ وجهه ، فاكتفى بذكر الناصية من الوجه كله ، إذ كانت الناصية في مقدم الوجه . وقيل : معنى ذلك : لنأخذنّ بناصيته إلى النار ، كما قال : { فَيُؤْخَذُ بالنَّوَاصِي وَالأقْدَامِ } وقوله : { ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ } فخفض ناصية ردّاً على الناصية الأولى بالتكرير ، ووصف الناصية بالكذب والخطيئة ، والمعنى لصاحبها . وقوله : { فَلْيَدْعُ نادِيَهُ } يقول تعالى ذكره : فليدع أبو جهل أهل مجلسه وأنصاره ، من عشيرته وقومه ، والنادي : هو المجلس . وإنما قيل ذلك فيما بلغنا ، لأن أبا جهل لما نهى النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند المقام ، انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأغلظ له ، فقال أبو جهل : علام يتوعدني محمد وأنا أكثر أهل الوادي نادياً ؟ فقال الله جلّ ثناؤه : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بالنَّاصِيَةِ } ، فليدع حينئذٍ ناديه ، فإنه إن دعا ناديه ، دعونا الزبانية . وبنحو الذي قلنا في ذلك جاءت الأخبار ، وقال أهل التأويل . ذكر الآثار المروية في ذلك : حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبو خالد الأحمر وحدثنا أبو كرَيب ، قال : ثنا الحكم بن جميع ، قال : ثنا عليّ بن مُسْهِر ، جميعاً عن داود بن أبي هند ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند المَقام ، فمرّ به أبو جهل بن هشام ، فقال : يا محمد ، ألم أنهك عن هذا ؟ وتوعَّده ، فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهره ، فقال : يا محمد بأيّ شيء تهدّدني ؟ أما والله إني لأكثر هذا الوادي نادياً ، فأنزل الله : { فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنْدْعُ الزَّبانِيَةَ } قال ابن عباس : لو دعا ناديه ، أخذته زبانية العذاب من ساعته . حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، فجاءه أبو جهل ، فنهاه أن يصلي ، فأنزل الله : { أرأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إذَا صَلَّى } … إلى قوله : { كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ } فقال : لقد علم أني أكثر هذا الوادي نَادياً ، فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم ، فتكلم بشيء ، قال داود : ولم أحفظه ، فأنزل الله : { فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ } فقال ابن عباس : فوالله لو فعل لأخذته الملائكة من مكانه . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن أبيه ، قال : ثنا نعيم بن أبي هند ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، قال : قال أبو جهل : هل يُعَفِّر محمد وجهه بين أظهركم ؟ قال : فقيل نعم ، قال : فقال : واللاتِ والعُزّى لئن رأيته يصلي كذلك ، لأطأنّ على رقبته ، لأُعَفِّرنّ وجهه في التراب ، قال : فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته ، قال : فما فجأهم منه إلا وهو ينكْص على عَقبيه ، ويتقي بيديه قال : فقيل له : مالك ؟ قال : فقال : إن بيني وبينه خَنْدقاً من نار ، وهَوْلاً وأجنحة قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ دَنا مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ المَلائِكَةُ عُضْواً عُضْواً " قال : وأنزل الله ، لا أدري في حديث أبي هريرة أم لا : { كَلاَّ إنَّ الإنْسانَ لَيَطْغَى أنْ رآهُ اسْتَغْنَى إنَّ إلى رَبِّكَ الرُّجْعَى أرأيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْداً إذَا صَلَّى أرأَيْتَ إنْ كانَ عَلى الهُدَى أوْ أمَرَ بالتَّقْوَى أرأَيْتَ إنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } يعني أبا جهل { ألَمْ يَعْلَمْ بِأنَّ اللَّهَ يَرَى كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بالنَّاصِيَةٍ ناصيةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ } يدعو قومه { سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ } الملائكة { كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : أخبرنا يونس بن أبي إسحاق ، عن الوليد بن العَيْزَار ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل : لئن عاد محمد يصلي عند المقام لأقتلنه ، فأنزل الله : { اقْرأْ باسْمِ رَبِّكَ } حتى بلغ هذه الآية : { لَنَسْفَعاً بالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ } ، فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ، فقيل له : ما يمنعك ؟ قال : " قد اسودّ ما بيني وبينه من الكتائب " . قال ابن عباس : والله لو تحرّك لأخذته الملائكة والناس ينظرون إليه . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا زكريا بن عديّ ، قال : ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الكريم ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : قال أبو جهل : لئن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عند الكعبة ، لآتينه حتى أطأ على عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لَوْ فَعَلَ لأَخَذَتْهُ المَلائِكَةُ عِياناً " وبالذي قلنا في معنى النادي قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس في قوله : { فَلْيَدْعُ نادِيَهُ } يقول : فليدع ناصره . حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ } قال : الملائكة . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهُذَيل : الزبانية أرجلهم في الأرض ، ورؤوسهم في السماء . حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن قتادة ، في قوله : { سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ } قال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " لَوْ فَعَلَ أبُو جَهْلٍ لأَخَذَتْهُ الزَّبانِيَةُ المَلائِكَةُ عِياناً " حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ } قال : الملائكة . حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : الزبانية ، قال : الملائكة . وقوله : { كَلاَّ } يقول تعالى ذكره : ليس الأمر كما يقول أبو جهل ، إذ ينهى محمداً عن عبادة ربه ، والصلاة له { لا تُطِعْهُ } يقول جلّ ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : لا تُطع أبا جهل فيما أمرك به من ترك الصلاة لربك { وَاسْجُدْ لِرَبِّكَ وَاقْتَرِبْ } منه ، بالتحبب إليه بطاعته ، فإن أبا جهل لن يقدر على ضرّك ، ونحن نمنعك منه . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } ذُكر لنا أنها نزلت في أبي جهل ، قال : لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأنّ عنقه ، فأنزل الله : { كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } قال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه الذي قال أبو جهل ، قال : " لو فعل لاختطفته الزبانية " .