Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 97, Ayat: 1-5)

Tafsir: Ǧāmiʿ al-bayān ʿan taʾwīl āy al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

يقول تعالى ذكره : إنا أنزلنا هذا القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القَدْر ، وهي ليلة الحُكْم التي يقضي الله فيها قضاء السنة وهو مصدر من قولهم : قَدَر الله عليّ هذا الأمْرَ ، فهو يَقْدُر قَدْراً . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن كله جملة واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا ، فكان الله إذا أراد أن يُحدث في الأرض شيئاً أنزله منه حتى جمعه . حدثنا ابن المثنى قال : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، قال : أنزل الله القرآن إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ، وكان الله إذا أراد أن يوحى منه شيئاً أوحاه ، فهو قوله : { إنَّا أنْزلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } . قال : ثنا ابن أبي عديّ ، عن داود ، عن عِكرِمة ، عن ابن عباس ، فذكر نحوه ، وزاد فيه . وكان بين أوّله وآخره عشرون سنة . قال : ثنا عمرو بن عاصم الكلابيّ ، قال : ثنا المعتمر بن سليمان التيميّ ، قال : ثنا عمران أبو العوّام ، قال : ثنا داود بن أبي هند ، عن الشعبيّ ، أنه قال في قول الله : { إنَّا أنْزلْناهُ في لَيْلَة الْقَدْرِ } قال : نزل أوّلُ القرآن في ليلة القدر . حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حُصَين ، عن حكيم بن جُبير ، عن ابن عباس ، قال : نزل القرآن في ليلة من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ، ثم فُرِّق في السنين وتلا ابن عباس هذه الآية : { فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ } قال : نزل متفرّقاً . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، عن داود ، عن الشعبيّ ، في قوله : { إنَّا أنْزلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : بلغنا أن القرآن نزل جملة واحدة إلى السماء الدنيا . حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن سلمة بن كهيل ، عن مسلم ، عن سعيد بن جُبير : أنزل القرآن جملة واحدة ، ثم أنزل ربنا في ليلة القدر : { فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أمْرٍ حَكِيم } قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جُبير ، عن ابن عباس ، في قوله { إنَّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر ، إلى السماء الدنيا ، فكان بموقع النجوم ، فكان الله ينزله على رسوله ، بعضُه في إثر بعض ، ثم قرأ : { وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً } وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ليلة القدر : ليلة الحكم . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } قال : ليلة الحُكْم . قال : ثنا وكيع . عن سفيان ، عن محمد بن سْوقَة ، عن سعيد بن جُبير : يؤذن للحجاج في ليلة القدر ، فيكتبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، فلا يغادر منهم أحد ، ولا يُزاد فيهم ، ولا ينقص منهم . حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن عُلَية ، قال : ثنا ربيعة بن كلثوم ، قال : قال رجل للحسن وأنا أسمع : رأيت ليلة القدر في كلّ رمضان هي ؟ قال : نعم ، والله الذي لا إله إلا هو إنها لفى كلّ رمضان ، وإنها لليلة القدر ، { فيها يُفرق كلّ أمر حكيم } ، فيها يقضي الله كلّ أجل وعمل ورزق ، إلى مثلها . حدثنا أبو كُرَيب . قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جُبَير ، عن ابن عمر . قال : ليلة القدر في كلّ رمضان . وقوله : { وَمَا أدْرَاكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ } يقول : وما أشعرك يا محمد أيّ شيء ليلة القدر خير من ألف شهر . اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : العمل في ليلة القدر بما يرضي الله ، خير من العمل في غيرها ألفَ شهر . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، قال : بلغني عن مجاهد { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } قال : عملها وصيامها وقيامها خير من ألف شهر . قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو بن قيس الملائي ، قوله : { خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } قال : عملٌ فيها خير من عمل ألف شهر . وقال آخرون : معنى ذلك أن ليلة القدر خير من ألف شهر ، ليس فيها ليلة القدر . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } ليس فيها ليلة القدر . وقال آخرون في ذلك ما : حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حَكّام بن سلم ، عن المُثَنَّى بن الصَّبّاح ، عن مجاهد قال : كان في بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتي يُمْسي ، ففعل ذلك ألف شهر ، فأنزل الله هذه الآية : { لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } قيام تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل . وقال آخرون في ذلك ما : حدثني أبو الخطاب الجاروديّ سُهيل ، قال : ثنا سَلْم بن قُتيبة ، قال : ثنا القاسم بن الفضل ، عن عيسى بن مازن ، قال : قلت للحسن بن عليّ رضي الله عنه : يا مسوِّد وجوه المؤمنين ، عمدت إلى هذا الرجل ، فبايعت له ، يعني معاوية بن أبي سفيان فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِي في منامه بني أميَّة يَعْلُون منبره خليفة خليفة ، فشقّ ذلك عليه ، فأنزل الله : { إنَّا أعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ } و { إنَّا أنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَما أدْرَاكَ ما لَيْلَةُ الْقَدرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ ألْفِ شَهْرٍ } يعني مُلْكَ بني أمية قال القاسم : فحسبنا مُلْكَ بني أمية ، فإذا هو ألف شهر . وأشبه الأقوال في ذلك بظاهر التنزليل قول من قال : عمل في ليلة القَدْر خير من عمل ألف شهر ، ليس فيها ليلة القَدْر . وأما الأقوال الأخر ، فدعاوَى معانٍ باطلة ، لا دلالة عليها من خبر ولا عقل ، ولا هي موجودة في التنزيل . وقوله : { تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أمْرٍ } اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : تنزل الملائكة وجبريل معهم ، وهو الروح ، في ليلة القدر { بإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أمْرٍ } يعني بإذن ربهم ، من كلّ أمر قضاه الله في تلك السنة ، من رزق وأجل وغير ذلك . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : { مِنْ كُلِّ أمْرٍ } قال : يُقْضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها . فعلى هذا القول منتهى الخبر ، وموضع الوقف من كلّ أمر . وقال آخرون : { تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بإذْنِ رَبِّهِمْ } لا يلْقَون مؤمناً ولا مؤمنة إلا سلَّموا عليه . ذكر من قال ذلك : حُدِّثت عن يحيى بن زياد الفرّاء ، قال : ثني أبو بكر بن عياش ، عن الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس : أنه كان يقرأ : « مِنْ كُلِّ امْرِىءٍ سَلامٌ » وهذه القراءة من قرأ بها وجَّه معنى مِن كلّ امرىء : من كلّ مَلَك كَانَ معناه عنده : تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كلّ مَلَك يُسلِّم على المؤمنين والمؤمنات ولا أرى القراءة بها جائزة ، لإجماع الحجة من القرّاء على خلافها ، وأنها خلاف لما في مصاحف المسلمين ، وذلك أنه ليس في مصحف من مصاحف المسلمين في قوله « أمر » ياء ، وإذا قُرئت : « مِنْ كُلِّ امْرىءٍ » لحقتها همزة ، تصير في الخطّ ياء . والصواب من القول في ذلك : القول الأوّل الذي ذكرناه قبل ، على ما تأوَّله قتادة . وقوله : { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } سلام ليلة القدر من الشرّ كله من أوّلها إلى طلوع الفجر من ليلتها . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك : حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة { سَلامٌ هِيَ } قال : خير { حَتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } . حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة { مِنْ كُل أمْرٍ سَلامٌ هِيَ } أي هي خير كلها إلى مطلع الفجر . حدثنا أبو كُرَيب ، قال : ثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد { سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } قال : من كلّ أمرٍ سلام . حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : { سَلامٌ هِيَ } قال : ليس فيها شيء ، هي خير كلها { حتى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } . حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقيّ ، قال : ثنا عبد الحميد الحِمَّانيّ ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عبد الرحمن بن أبي لَيَلى ، في قوله : { مِنْ كُلِّ أمْرٍ سَلامٌ هِيَ } قال : لا يحدث فيها أمر . وعُنِي بقوله : { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } : إلى مطلع الفجر . واختلفت القرّاء في قراءة قوله : { حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } فقرأت ذلك عامة قرّاء الأمصار ، سوى يحيى بن وثاب والأعمش والكسائيّ { مَطْلَعِ الْفَجْرِ } بفتح اللام ، بمعنى : حتى طلوع الفجر تقول العرب : طلعت الشمس طلوعاً ومَطْلَعاً . وقرأ ذلك يحيى بن وثاب والأعمش والكسائي : « حَتَّى مَطْلِعِ الْفَجْرِ » بكسر اللام ، توجيهاً منهم ذلك إلى الاكتفاء بالاسم من المصدر ، وهم ينوون بذلك المصدر . والصواب من القراءة في ذلك عندنا : فتح اللام لصحة معناه في العربية ، وذلك أن المطلَع بالفتح هو الطلوع ، والمطلِع بالكسر : هو الموضع الذي تَطْلُع منه ، ولا معنى للموضع الذي تطلع منه في هذا الموضع .