Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 40-40)

Tafsir: Tafsīr an-Nasāʾī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عز وجل : { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } [ 40 ] حديث الفتون 346 - أنا عبدُ اللهِ بن محمدٍ ، نا يزيد بن هارون ، أنا أصبغُ بنُ زيد ، نا القاسمُ بنُ أبي أيُّوبَ ، أني سعيدُ بنُ جُبيرٍ ، قال : سألتُ عبد الله بن عباسٍ عن قول الله عزَّ وجلَّ لموسى عليه السلام : { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } ، فسألتهُ عن الفُتُونِ ما هو ؟ قال : استأْنِفِ النهارَ يا ابن جُبيرٍ ، فإنَّ لها حديثاً طويلاً ، فلما أصبحتُ غدوتُ على ابن عباس لأنتجز منه ما وعدني من حديث الفتونِ ، فقال : تذاكر فرعون وجُلساؤُهُ ما كان الله عز وجل وعد إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن يجعل في ذُريتهِ أنبياءَ ومُلُوكاً ، فقال بعضهم : إن بني إسرائيل ينتظرون ذلك ، ما يشكون فيه ، وكانوا يظنون أنه يوسف بن يعقوب عليهما السلامُ ، فلما هلك قالوا : ليس هكذا كان وعدُ إبراهيم عليه السلام ، فقال فرعون : فكيف ترون ؟ فائتمروا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالاً معهم الشِّفارُ يطوفون في بني إسرائيل فلا يجدون مولوداً ذكراً إِلاَّ ذبحوهُ ، ففعلوا ذلك ، فلما رأوا أن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم ، والصغار يُذبحون ، قالوا : تُوشِكُون أن تُفْنُوا بني إسرائيل فتصيروا أن تباشروا من الأعمال والخدمةِ الذي كانوا يكفونكم . فاقتلوا عاماً كل مولودٍ ذكر فيقلُّ نباتهم ، ودعوا عاماً فلا تقتلوا منهم أحداً ، فينشأَ الصِّغارُ مكان من يموت من الكبار ، فإنهم لن يكثروا بمن تستحيون / منهم فتخافوا مُكاثرتهم إياكم ، ولن يفنوا بمن تقتلون وتحتاجون إليهم ، فأجمعوا أمرهم على ذلك . فحملت أُمُّ موسى بهارون في العام الذي لا يُذبح فيه الغلمانُ فولدته علانيةً آمنةً . فلما كان من قابلٍ حملت بموسى فوقع في قلبها الهمُّ والحُزنُ - وذلك من الفتونِ يا ابن جبيرٍ - ما دخل عليه في بطن أُمه مما يراد به . فأوحى الله جلَّ ذكره إليها أن { وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ القصص : 7 ] فأمرها إذا ولدت أن تجعلهُ في تابوتٍ وتُلقيهُ في اليمِّ . فلما ولدت فعلت ذلك . فلما توارى عنها ابنُها ، أتاها الشيطانُ فقالت في نفسها : ما فعلت بابني ؟ لو ذُبح عندي فواريتهُ وكفَّنْتُهُ كان أحبَّ إليَّ أن أُلقيهُ إلى دواب البحرِ وحيتانهِ ، فانتهى الماءُ به حتى أوفى به عند فُرْضَةِ مُستقى جواري امرأة فرعون . فلما رَأَيْنَهُ أخذنَهُ فهممنَ أن يفتحنَ التابوت فقال بَعْضُهُنَّ : إنَّ في هذا مالاً ، وَإِنَّا إن فتحناهُ لم تُصدقنا امرأة الملك بما وجدنا فيه . فحملنهُ كهيئتِهِ لم يُخرجن منه شيئاً حتى دفعنه إليها ، فلما فتحته رأت فيه غلاماً ، فألقي عليها منه محبةٌ لم يُلق منها على أحدٍ قطُّ ، وأصبح فُؤادُ أُمِّ موسى فارغاً من ذكر كل شيءٍ إلا من ذكر موسى . فلما سمع الذَّبَّاحُونَ بأمرهِ أقبلوا بشفارِهِمْ إلى امرأةِ فرعون ليذبحوه - وذلك من الفتون يا ابن جبير - ، فقال لهم : أقِرُّوه ، فإن هذا الواحد لا يزيد في بني إسرائيل ، حتى آتي فرعون فأستوهبهُ منهُ ، فإن وهبه لي كنتم قد أحسنتم وأجملتم ، وإن أمر بذبحه لم أَلُمكُمْ ، فأتت فرعون فقالت : قُرَّةُ عينٍ لي ولكَ ، فقال فرعونُ : يكون لكِ فأما لي فلا حاجةَ لي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي يُحْلفُ به لو أقرَّ فرعون أن يكون له قُرَّةَ عينٍ كما أقرَّتِ امرأتُهُ لَهَدَاهُ اللهُ كما هداها ، ولكنَّ الله حرمهُ ذلك " فأرسلت إلى من حولها ؛ إلى كُلِّ امرأةٍ لها لبنٌ / تختارُ لهُ ظئراً ، فجعل كُلَّمَا أخذتهُ امرأةً منهن لترضعهُ لم يُقبل على ثديها ، حتى أشفقتِ امرأةُ فرعون أن يمتنع من اللبن فيموت ، فأحزنَهَا ذلك فأمرتْ به فأُخْرِجَ إلى السُّوقِ ومجمع الناسِ ، ترجو أن تجدَ له ظِئراً تأخَذَهُ منها ، فلم يقبل . فأصبحت أُمُّ موسى وَالِهاً ، فقالتْ لأُخْتِهِ : قَصِّي أَثَرَهُ واطْلُبِيهِ ، هل تسمعين له ذكراً ، أَحَيٌّ ابني أمْ أكلتهُ الدوابُّ ، ونسيت ما كان اللهُ وعدها فيه ، فبصرت به أُخْتُهُ عن جُنُبٍ - والجُنُبُ : أن يسمو بصر الإنسان إلى الشيء البعيد وهو إلى ناحيةٍ لا يُشعرُ به - فقالت من الفرحِ حين أعياهم الضُّؤُوراتُ : أنا أدُلُّكُم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم وهم له ناصحون . فأخذوها ، فقالوا : ما يُدريكِ ما نُصحُهُم ؟ قل تَعرِفَونَهُ ؟ حتى شكوا في ذلك - وذلك من الفتون يابن جبير - فقالت : نصيحتهم له ، وشفقتهم عليه رغبتهم في صهرِ الملك ورجاءُ منفعة الملكِ . فأرسلوها فانطلقت إلى أُمِّها فأخبرتها الخبر . فجاءت أُمُّهُ ، فلما وضعته في حجرها ، ثوى إلي ثديها ، فمصهُ حتى امتلأَ جنباهُ رِيّاً ، وانطلق البُشراءُ إلى امرأة فرعون يُبشرونها أن قد وجدنا لابنك ظئراً ، فأرسلت إليها فأتت بها وبه ، فلما رأت ما يصنع ، قال : امكثي تُرضعي ابني هذا ، فإني لم أُحِبَّ شيئاً حُبَّهُ قط ، قالت أُمُّ موسى : لا أستطيعُ أن أدع بيتي وولدي فيضيع ، فإن طابت نفسك أن تعطينيه فأذهب به إلي بيتي فيكون معي لا آلُوهُ خيراً فعلتُ ، فإني غير تاركةٍ بيتي وولدي ، وذكرت أُمُّ موسى ما كان الله وعدها ، فتعاسرت على امرأة فرعون وأيقنت أن الله مُنجزٌ موعوده . فرجعت إلى بيتها من يومها ، فأنبتهُ اللهُ نباتاً حسناً ، وحفظ لما قد قضى فيه ، فلم يزل بنو إسرائيل وهم في ناحية القرية مُمتنعين من السُّخْرَةِ والظلمِ ما كان فيهم ، فلما ترعرع قالت امرأةُ فرعون لأُمِّ موسى : أزيريني / ابني ، فوعدتها يوماً تُزِيرُها إياهُ فيه . وقالت امرأةُ فرعون لخُزَّانِهَا وظُؤُورها وقهارِمَتِهَا : لا يبقينَّ أحدٌ منكم إلا استقبل ابني اليوم بهديةٍ وكرامةٍ ، لأرى ذلك فيه ، وأنا باعثةٌ أميناً يُحصي كل ما يصنع كل إنسان منكم . فلم تزل الهدايا والكرامةُ والنُّحِلُ تستقبله من حين خرج من بيت أُمهِ إلى أن دخل على امرأة فرعون ، فلما دخل عليها نحلته وأكرمته وفرحت به ، ونحلتْ أُمَّهُ بحسن أثرها عليه ثم قالت : لآتِينَّ فرعون فلينحلنَّهُ وليكرمنَّه ، فلما دخلت به عليه جعله في حجرهِ ، فتناول موسى لحية فرعون ، فمدها إلى الأرض . قال الغُواةُ من أعداءِ الله لفرعون : ألا ترى ما وعد الله إبراهيم نبيه ، إنه زعم أن يَرُبَّكَ ويعلوك ويصرعكَ ؟ ! فأرسل إلى الذَّبَّاحينَ ليذبحوه ، - وذلك من الفُتُونِ يا ابن جُبيرٍ - بعد كل بلاءٍ ابتلي به وأريد به فُتُوناً . فجاءت امرأة فرعون [ تسعى إلى فرعون ] فقال : ما بدا لك في هذا الغُلام الذي وهبتهُ لي ، فقال : ألا ترينهُ ، إنه يزعمُ سيصرعُني ويعلوني ، قالت : اجعل بيني وبينك أمراً يُعرفُ فيه الحقُّ ، ائتِ بجمرتين ولؤلُؤتينِ فقرِّبْهُنَّ إليه ، فإنْ بطش باللُّؤلُؤِ ، واجتنب الجمرتينِ ، عرفت أنهُ يعقلُ ، وإن تناول الجمرتين ولم يُرد اللؤلؤتين ، علمت أن أحداً لا يؤثرُ الجمرتينِ على اللُّؤلُؤتينِ وهو يعقل . فقرب ذلك إليه فتناول الجمرتين فنزعُوهُما منه مخافة أن يحرقا يديهِ ، فقالت المرأةُ : ألا ترى ؟ فصرفه الله عنه بعد ما كان قد همَّ به ، وكان اللهُ بالغاً فيه أمرهُ . فلما بلغ أشدهُ ، وكان من الرجال ، لم يكن أحدٌ من آل فرعون يخلصُ إلى أحدٍ من بني إسرائيل معهُ بظلمٍ ولا سُخرةٍ حتى امتنعوا كل الامتناع . فبينما موسى عليه السلام يمشي في ناحية المدينة ، إذ هو برجلين يقتتلانِ أحدُهُما فرعونيٌّ والآخرُ إسرائيليٌّ ، فاستغاثهُ الإسرائيليٌّ على / الفرعونيِّ ، فغضب موسى عليه السلامُ غضباً شديداً لأنهُ تناوله وهو يعلم منزله من بني إسرائيل ، وحفظهُ لهم ، لا يعلمُ الناس إلا أنَّما ذلك من الرضاعِ إلا أُمُّ موسى ، إلا أن يكون الله سبحانه أطلع موسى عليه السلامُ من ذلك على ما لم يُطلع عليه غيرهُ ، ووكز موسى الفرعوني فقتلهُ ، وليس يراهما أحدٌ إلا اللهُ عز وجل والإسرائيليُّ ، فقال موسى حين قتل الرجلُ : هذا من عمل الشيطانِ ، إنَّهُ عدوٌّ مُّضِلٌّ مُّبينٌ ، ثم قال : { رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } [ القصص : 16 ] فأصبح في المدينة خائفاً يترقب الأخبار ، فأُتى فرعون فقيل له : إن بني إسرائيل قتلوا رجلاً من آل فرعون ، فَخُذْ لنا بحقك ولا تُرخص لهم . فقال : ابغُونِي قاتِلهُ من شهد عليه ، فإنَّ المَلِكَ وإن كان صَفوُهُ مع قومه ، لا يستقيم له أن يقيد بغير بينةٍ ولا ثبتٍ ، فاطلبوا لي علم ذلك آخُذْ لكم بحقكم . فبينما هم يطوفون لا يجدون ثبتاً ، إذا موسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيلي يُقاتل رجلاً من آل فرعون آخر ، فاستغاثهُ الإسرائيليُّ على الفرعونيِّ ، فصادف موسى قد ندم على ما كان منهُ ، وكره الذي رأى فغضب الإسرائيليُّ ، وهو يريد أن يبطش بالفرعونيِّ ، فقال للإسرائيلي لما فعل أمسِ واليوم : إنك لغويٌّ مُبينٌ ، فنظر الإسرائيليُّ إلى موسى عليه السلام بعد ما قال له ما قال ، فإذا هو غضبانُ كغضبه بالأمسِ ، الذي قتل فيه الفرعونيَّ ، فخاف أن يكون بعد ما قال له إنك لغويٌّ مبينٌ ، أن يكون إياه أراد ، ولم يكن أرادهُ ، وإنما أراد الفرعونيَّ ، فخاف الإسرائيليُّ وقال : يا موسى أتريدُ أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمسِ ؟ ، وإنما قال له مخافة أن يكون إياهُ أراد موسى ليقتله ، فتتاركا ، وانطلق الفرعونيُّ فأخبرهم بما سمع من الإسرائيليِّ ، من الخبر حين يقولُ : أتُريدُ أن تقتلني كما قتلت نفساً / بالأمسِ ، فأرسل فرعون الذَّبَّاحين ليقتلوا موسى ، فأخذ رسل فرعون الطريق الأعظم ، يمشون على هيئتهم يطلبون موسى ، وهم لا يخافون أن يفوتهم ، فجاء رجلٌ من شيعةِ موسى من أقصى المدينة ، فاختصر طريقاً حتى سبقهم إلى موسى فأخبره الخبر - وذلك من الفُتُونِ يا ابن جُبيرٍ - . فخرج موسى متوجهاً نحو مدين ، لم يلق بلاءً قبل ذلك ، وليس له علمٌ إلا حُسْنُ ظنهِ بربهِ تعالى ، فإنه { قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ * وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ } [ القصص : 22 - 23 ] يعني بذلك : حابستين غَنَمَهُمَا - فقال لهما : ما خطبكما مُعتزلتين لا تسقيانِ مع الناسِ ؟ فقالتا : ليس لنا قوةٌ نُزاحمُ القوم ، وإنما ننتظر فضول حياضهم ، فسقى لهما ، فجعل يغترف في الدَّلوِ ماءً كثيراً حتى كان أول الرعاء ، وانصرفتا بغنمهما إلى أبيهما ، وانصرف موسى عليه السلامُ ، فاستظل بشجرةٍ وقال : { رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] واستنكر أبوهما سرعة صُدُورِهِمَا بغنمِهما حُفَّلاً بِطَانَا ، فقال : إن لكما اليوم لشأناً ، فأخبرتاهُ بما صنع موسى ، فأمر إحداهما أن تدعوه ، فأتت موسى فدعته ، فلما كلَّمهُ ، قال : لا تخف نجوت من القومِ الظالمين ، ليس لفرعون ولا لقومه علينا سُلطانٌ ، ولسنا في مملكته ، فقالت إحداهما : يا أبتِ استأجره إنَّ خير من استأْجرتَ القويُّ الأمينُ ، فاحتملتهُ الغيرةُ على أن قال لها : ما يُدريكِ ما قُوَّتُهُ وما أمانَتُهُ ؟ قالت : أمَّا قُوَّتُهُ فما رأيت منه في الدلوِ حين سقى لنا ، لم أر رجلاً قطُّ أقوى في ذلك السقي منه ، وأما الأمانةُ ، فإنهُ نظر إلي حين أقبلت إليه وشخصتُ له ، فلما علم أني امرأةٌ صَوَّبَ رأسهُ فلم يرفعه حتى بلغتهُ رسالتك ، ثم قال لي : / امشي خلفي ، وانعتي لي الطريق ، فلم يفعل هذا الأمر إلاَّ وهو أمينٌ . فَسُرِّيَ عن أبيها وصدقها ، وظن به الذي قالت ، فقال لهُ : هل لك { أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ } [ القصص : 27 ] ففعل فكانت على نبيِّ الله موسى ثماني سِنِين واجبةً ، وكانت سنتانِ عِدةً منهُ ، فقضى اللهُ عنه عدتهُ ، فأتمها عشراً . قال سعيدٌ : فلقيني رجلٌ من أهل النصرانية من عُلمائهم ، قال : هل تدري أيَّ الأجلين قضى موسى ؟ ، قلتُ : لا ، وأنا يومئذٍ لا أدري ، فلقيتُ ابن عباسٍ فذكرت ذلك له ، فقال : أما علمت أن ثمانياً كانت على نبي الله واجبةً ، لم يكن نبي اللهِ صلى الله عليه وسلم لينقص منها شيئاً ، ويعلم أن الله كان قاضياً عن موسى عدتهُ التي وعدهُ ، فإنه قضى عشر سنين ، فلقيت النصراني فأخبرته ذلك ، فقال : الذي سألتهُ فأخبرك أعلمُ مِنك بذلك . قلتُ : أجل ، وأولى . فلما سار موسى بأهلِهِ كان من أمر النار والعصى ويده ما قصَّ اللهُ عليك في القرآنِ ، فشكى إلى الله سبحانه ما يتخوفُ من آلِ فرعون في القتيل ، وعُقدَة لسانه ، فإنه كان في لسانه عُقدةٌ تمنعه من كثير الكلام ، وسأل ربه أن يعينه بأخيه هارون يكون له ردءاً ، ويتكلم عنه بكثير مما لا يُفصِحُ به لسانهُ ، فآتاه اللهُ سُؤلهُ وحلَّ عُقدةً من لسانهِ ، وأوحى اللهُ إلى هارون وأمرهُ أن يلقاهُ ، فاندفع موسى بعصاهُ حتى لقي هارون عليه السلام ، فانطلقا جميعاً إلى فرعون ، فأقاما على بابه حيناً لا يؤذنُ لهما ، ثم أُذن لهما بعد حجابٍ شديدٍ ، فقالا : إنا رسولا ربك ، قال : فمن ربُّكما ؟ فأخبره بالذي قصَّ اللهُ عليك في القرآنِ ، قال : فما تُريدان ؟ وذكره القتيل فاعتذر بما قد سمعت / ، قال : أُريد أن تؤمن بالله ، وترسل معي بني إسرائيل ، فأبى عليه وقال ائت بآيةٍ إن كنت من الصادقين ، فألقى عصاه فإذا هي حيةٌ عظيمةٌ فاغرةً فاها ، مُسرعةً إلى فرعون ، فلما رآها فرعون قاصدةً إليه خافها فاقتحم عن سريره ، واستغاث بموسى أن يكفها عنهُ ، ففعل ثم أخرج يده من جيبه ، فرآها بيضاء من غير سوءٍ - يعني من غير برصٍ - ثم ردها فعادت إلى لونها الأولِ ، فاستشار الملأ حوله فيما رأى ، فقالوا له : هذان ساحران يُريدان أن يُخرجاكم من أرضكم بسحرهما ، ويذهبا بطريقتكم المُثلى - يعني ملكهم الذي هم فيه والعيش - فأبوا على موسى أن يعطوه شيئاً مما طلب ، وقالوا له : اجمع لهما السحرة ، فإنهم بأرضك كثيرٌ ، حتى يغلب سحرك سحرهما ، فأرسل في المدائن فَحُشر له كل ساحرٍ مُتعالمٍ ، فلما أتوا فرعون قالوا : بم يعمل هذا الساحرُ ؟ قالوا يعمل بالحيات ، قالوا : فلا والله ما أحدٌ في الأرض يعمل بالسحر بالحيات ، والجبال والعصي الذي نعملُ ، وما أجرنا إن نحن غلبنا ؟ ، قال لهم : أنتم أقاربي وخاصتي ، وأنا صانعٌ إليكم كل شيء أحببتم . فتواعدوا يوم الزينة ، وأن يُحشر الناس ضُحىً . قال سعيدٌ : فحدَّثني ابن عباسٍ : أن يوم الزينة ، اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة ، هو يوم عاشوراء . فلما اجتمعوا في صعيدٍ ، قال الناس بعضهم لبعضٍ : انطلقوا فلنحضر هذا الأمر لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين - يعنون موسى وهارون استهزاءً بهما - ، فقالوا : يا موسى - لقُدرتهم بسحرهم - إما أن تُلقي ، وإما أن نكون نحن المُلقين ، قال : بل ألقوا ، { فَأَلْقَوْاْ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُواْ بِعِزَّةِ فِرْعَونَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الشعراء : 44 ] . فرأى موسى من سحرهم ما أوجس في نفسه خيفةً ، فأوحى الله إليهِ أن أَلقِ عصاك ، فلما ألقاها صارت ثُعباناً عظيماً فاغرةً فاها / ، فجعلت العصا تلبس بالحبال حتى صارت جُرزاً على الثُّعبانِ تدخل فيه ، حتى ما أبقت عصاً ولا حبلاً إلا ابتلعتهُ ، فلما عرف السحرةُ ذلك ، قالوا : لو كان هذا سحراً لم يبلغ من سحرنا كُلُّ هذا ، ولكنه أمرٌ من اللهِ ، آمنَّا باللهِ وبما جاء به موسى ، ونتوبُ إلى الله مما كُنَّا عليه . فكسر اللهُ ظهر فرعون في ذلك الموطن وأتباعِهِ ، وظهر الحقُّ وبطل ما كانوا يعملون { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ } [ الأعراف : 119 ] وامرأةُ فرعون بارزةٌ تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون وأشياعهِ ، فمن رآها من آل فرعون ، ظنَّ أنها إنما ابتذلت للشفقة على فرعون وأشياعهِ وإنما كان حُزنها وهمُّها لموسى . فلما طال مُكْثُ موسى بمواعدِ فرعون الكاذبة ، كُلَّمَا جاءهُ بآيةٍ وعدهُ عندها أن يرسل معهُ بني إسرائيل ، فإذا مضت أخلف موعده ، وقال : هل يستطيع رَبُّكَ أن يصنع غير هذا ؟ فأرسل الله عز وجل على قومِهِ { ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ } [ الأعراف : 133 ] ، كُلُّ ذلك يشكوا إلى موسى ، ويطلب إليه أن يكفها عنهُ ، ويوافقه على أن يرسل معه بني إسرائيل ، فإذا كف ذلك عنه ، أخلف موعده ، ونكث عهدهُ . حتى أُمر موسى بالخروج بقومِهِ ، فخرج بهم ليلاً ، فلما أصبح فرعون ، فرأى أنهم قد مضوا ، أرسل في المدائن حاشرين فتبعه بجنودٍ عظيمةٍ كثيرةٍ ، وأوحى اللهُ تعالى إلى البحر إذا ضربك عبدي موسى بعصاه فانفرق اثنتي عشرة فرقةً ، حتى يُجاوز موسى ومن معهُ ، ثم التق على من بقي بعد من فرعون وأشياعهِ ، فنسي موسى أن يضرب البحر بالعصا ، فانتهى إلى البحر ، وله قصيفٌ مخافة أن يضربهُ موسى بعصاهُ ، وهو غافل ، فيصير عاصياً للهِ . فلما تراءى الجمعانِ تقاربا ، قال قوم موسى : إنا لمدركون ، افعل ما أَمَرَكَ به رَبُّكَ فإنه لم يكذب / ولم تكذب ، قال : وعدني ربي إذا أتيتُ البحر انفرق اثنتي عشرةَ فرقةً ، حتى أُجاوزهُ ، ثم ذكر بعد ذلك العصا ، فضرب البحر بعصاه حين دنا أوائلُ جُند فرعون من أواخر جُندِ موسى ، فانفرق البحر كما أمرهُ ربُّهُ ، وكما وُعِدَ موسى ، فلما أن جاز موسى وأصحابه كلهم البحر ، ودخل فرعون وأصحابه ، التقى عليهم البحر كما أُمر ، فلما جاوز موسى البحر قال أصحابُهُ : إنا نخاف ألا يكون فرعون غرق ولا نؤمنُ بهلاكهِ ، فدعا رَبَّهُ فأخرجه له ببدنهِ حتى استيقنوا هلاكهُ ، ثم مَرُّوا بعد ذلك { عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يٰمُوسَىٰ ٱجْعَلْ لَّنَآ إِلَـٰهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ * إِنَّ هَـٰؤُلاۤءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ الأعراف : 138 - 139 ] قد رأيتم من العبر ، وسمعتم ما يكفيكم . ومضى فأنزلهم موسى منزلاً وقال لهم : أطيعوا هارون فإني قد استخلفته عليكم ، فإني ذاهبٌ إلى ربيِّ ، وأجَّلَهُمْ ثلاثين يوماً أن يرجع إليهم فيها ، فلما أتى ربه [ أراد ] أن يُكلِّمهُ في ثلاثين يوماً ، وقد صامَهُنَّ : ليلهُنَّ ونهارهَنَّ ، وكره أن يُكلم ربهُ وَرِيحُ فِيهِ ريحُ فمِ الصَّائِمِ ، فتناول موسى من نبات الأرض شيئاً فمضغهُ ، فقال له ربه حين أتاهُ : لم أفطرتَ ؟ - وهو أعلمُ بالذي كان ، قال : يا ربِّ إنِّي كرهتُ أن أُكَلِّمَكَ إلا وفمي طيبُ الريحِ ، قال : أو ما علمت يا موسى أن ريح فم الصائم أطيبُ من ريح المسكِ ؟ ، ارجع فصم عشراً ، ثم ائتني ، ففعل موسى عليه السلام ما أمرهُ بِهِ ، فلما رأى قوم موسى أنهُ لم يرجع إليهم في الأجلِ ساءهم ذلك ، وكان هارون قد خطبهم وقال : إنكم خرجتم من مصر ، ولقوم فرعون عندكم عواري وودائعُ ، ولكم فيهم مثل ذلك ، وأنا أرى أن تحتسبوا ما لكم عندهم ، ولا أُحِلُّ لكم وديعةً استودعتُمُوها ، ولا عاريةً ، ولسنا برادين إليهم / شيئاً من ذلك ، ولا مُمسيه لأنفسنا ، فحفر حفيراً ، وأمر كل قومٍ عندهم من ذلك من متاعٍ أو حليةٍ أن يقذفوه في ذلك الحفير ، ثم أوقد عليه النار فأحرقهُ ، فقال : لا يكون لنا ولا لهم . وكان السامريُّ من قومٍ يعبدون البقر ، جيرانٌ لبني إسرائيل ، ولم يكن من بني إسرائيل ، فاحتمل مع موسى وبني إسرائيل حين احتملوا فقُضِيَ له أن رأى أثراً فأخذ منه قبضةً ، فمرَّ بهارون فقال له هارون عليه السلامُ : يا سامريُّ ألا تُلقي ما في يدكَ ؟ وهو قابضٌ عليه لا يراه أحدٌ طوال ذلك ، فقال : هذه قبضةٌ من أثرِ الرسولِ الذي جاوز بكم البحر ، فلا أُلقيها بشيءٍ إلا أن تدعو الله إذا ألقيتُ أن يكون ما أُريدُ ، فألقاها ودعا له هارونُ ، فقال أُريدُ أن تكون عجلاً ، فاجتمع ما كان في الحفرةِ من متاعٍ أو حليةٍ أو نحاسٍ أو حديدٍ فصار عجلاً أجوف ليس فيه روحُ لهُ خُوَارٌ . قال ابنُ عباسٍ : لا واللهِ ما كان لهُ صوتٌ قط ، إنما كانت الريحُ تدخلُ من دُبُرِهِ وتخرجُ من فيهِ ، فكان ذلك الصوتُ من ذلك . فتفرق بنو إسرائيل فرقاً ، فقالت فرقةٌ : يا سامريُّ ، ما هذا وأنت أعلمُ به ؟ قال : هذا ربُّكُمْ ، ولكن موسى أضلَّ الطَّريق ، فقالت فرقةٌ : لا نُكذبُ بهذا حتى يرجع إلينا موسى ، فإن كان رَبَّنَا لم نكن ضيعناهُ وعجزنا فيه حين رأينا ، وإن لم يكن رَبَّنَا فإنَّا نتبعُ قول موسى . وقالت فرقةٌ : هذا عملُ الشيطانِ ، وليس بربنا ، ولن نؤمن به ، ولا نُصَدِّقُ ، وأُشربَ فرقةٌ في قلوبهم الصدق بما قال السامريُّ في العجلِ وأعلنُوا التَّكذيب بهِ ، فقال لهم هارون : يا قوم إنما فُتنتم به ، وإن ربكم الرحمن ، [ هكذا ] قالوا : فما بال موسى وعدنا ثلاثين يوماً ثم أخلفنا ؟ هذه أربعون قد مضت . فقال سُفهاؤُهم : أخطأ ربه فهو يطلبه ويتبعه ، فلما كلم الله موسى عليه السلام وقال له ما قال ، أخبره / بما لقي قومه من بعده ، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً ، قال لهم ما سمعتم في القرآن وأخذ برأسِ أخيه يجره إليه ، وألقى الألواح من الغضب ، ثم إنه عذر أخاه بعذره ، واستغفر له ، فانصرف إلى السامريِّ فقال له ما حملك على ما صنعت ، قال : قبضت قبضة من أثر الرسول وفطنتُ إليها ، وعميت عليكم ، فقذفتها { وَكَذٰلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي * قَالَ فَٱذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي ٱلْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَّن تُخْلَفَهُ وَٱنظُرْ إِلَىٰ إِلَـٰهِكَ ٱلَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي ٱلْيَمِّ نَسْفاً } [ طه : 96 - 97 ] ، ولو كان إلهاً لم نخلص إلى ذلك منه ، فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة ، واغتبط الذين كان رأيهم فيه مثل رأي هارون ، فقالوا : - لجماعتهم - يا موسى سل لنا ربك أن يفتح لنا باب توبةٍ نصنعها فيكفر عنا ما عملنا ، فاختار موسى قومه سبعين رجلاً لذلك ، لا يأْلُوا الخير ، خيار بني إسرائيل ومن لم يشرك في العجل ، فانطلق بهم يسأل لهم التوبة ، فرجفت بهم الأرض واستحيا نبي الله صلى الله عليه وسلم من قومه ومن وفده حين فُعل بهم ما فُعل ، فقال { لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَّآ } [ الأعراف : 155 ] وفيهم من كان الله اطلع منه على ما أُشرب قلبه من حُبِّ العجل وإيمانٍ به ، فلذلك رجفت بهم الأرض ، فقال : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } [ الأعراف : 156 - 157 ] . فقال : يا رب سألتك التوبة لقومي فقلت : إن رحمتي كتبتها لقومٍ غير قومي فليتك أخرتني حتى تُخرجني في أُمة ذلك الرجل المرحومة ، فقال له : إن توبتهم أن يقتل كُلُّ رجلٍ منهم كل من لقي / من والدٍ وولدٍ ، فيقتله بالسيف لا يُبالي من قتل في ذلك الموطن ، ويأتي أولئك الذين كان خفي على موسى وهارون ، واطلع اللهُ من ذنوبهم فاعترفوا بها وفعلوا ما أُمروا ، وغفر اللهُ للقاتل والمقتول ، ثم سار بهم موسى صلى الله عليه وسلم مُتوجهاً نحو الأرض المقدسة ، وأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب ، فأمرهم بالذي أُمر به أن يبلغهم من الوظائف ، فثقُل ذلك عليهم ، وأبوا أن يُقروا بها ، فنتق الله عليهم الجبل كأنه ظلةٌ ، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم ، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مُصطفون ، ينظرون إلى الجبل والكتاب بأيديهم ، وهم من وراء الجبل مخافة أن يقع عليهم ، ثم مضوا حتى أتوا الأرض المقدسة ، فوجدوا مدينة فيها قومٌ جبارون ، خلقهم خلق منكرٌ ، وذكر من ثمارهم أمراً عجيباً من عظمِها فقالوا : يا موسى إن فيها قوماً جبارين ، لا طاقة لنا بهم ، ولا ندخلها ما داموا فيها ، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون ، قال رجلان من الذين يخافون - قيل ليزيد هكذا قرأهُ ؟ قال : نعم - من الجبارين آمنا بموسى ، وخرجا إليه ، فقالوا : نحن أعلمُ بقومنا ، إن كُنتم إنما تخافون [ من ] ما رأيتم من أجسامهم وعددهم ، فإنهم لا قلوب لهم ، ولا منعة عندهم ، فادخلوا عليهم الباب ، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون . ويقول أُناسٌ : إنهما من قوم موسى ، فقال الذين يخافون بنو إسرائيل { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } [ المائدة : 24 ] فأغضبوا موسى عليه السلام ، فدعا عليهم وسماهم فاسقين ، ولم يدع عليهم قبل ذلك ، لما رأى منهم من المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذٍ ، فاستجاب اللهُ تعالى له ، وسماهم كما سماهم موسى فاسقين . فحرمها عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض ، يُصبحون كل يومٍ فيسيرون / ليس لهم قرارٌ ، ثم ظلل عليهم الغمام في التِّيهِ ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وجعل لهم ثياباً لا تبلى ولا تتسخُ ، وجعل بين أظهرهم حجراً مربعاً ، وأمر موسى فضربه بعصاهُ فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً في كل ناحية ثلاثة أعين ، وأعلم كُلَّ سبطٍ عينهم التي يشربون منها ، فلا يرتحلون من منقلةٍ إلا وجدوا ذلك الحجر بالمكان الذي كان فيه بالأمسِ . رفع ابن عباسٍ هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وصدق ذلك عندي أن معاوية سمع ابن عباسٍ حدث هذا الحديث ، فأنكر عليه أن يكون الفرعونيُّ الذي أفشى على موسى أمر القتيل الذي قتل ، فقال : كيف يُفشي عليه ولم يكن علم به ، ولا ظهر عليه إلا الإسرائيليُّ الذي حضر ذلك ، فغضب ابن عباسٍ فأخذ بيد معاوية فانطلق به إلى سعد بن مالكٍ الزُّهري ، فقال له : يا أبا إسحاق هل تذكر يوماً حُدِّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون ؟ ، الإسرائيليُّ أفشى عليه أم الفرعونيُّ ؟ قال : إنما أفشى عليه الفرعونيُّ ما سمع من الإسرائيليِّ شهد على ذلك وحضرهُ .