Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 68-68)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ } تنزيه له عن أن يجانس أحداً ، أو يحتاج إليه ، وتعجب من كلمتهم الحمقاء { هُوَ ٱلْغَنِيُّ } أي : الذي وجوده بذاته ، وبه وجود كل شيء ، فكيف يماثله شيء ؟ ومن له الوجود كله ، فكيف يجانسه شيء ؟ والجملة علة لتنزيهه ، وإيذان بأن اتخاذ الولد من أحكام الحاجة ، إما للتقوى به ، أو لبقاء نوعه { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } تقرير لغناه . أي : فهو مستغن بملكه لهم عن اتخاذ أحد منهم ولداً { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ } أي : ما عندكم من حجة بهذا القول الباطل ، توضيح لبطلانه ، بتحقيق سلامة ما أقيم من البرهان الساطع عن المعارض . أي : ليس بعد هذا حجة تسمع . والمراد تجهيلهم ، وأنه لا مستند لهم سوى تقليد الأوائل ، وإتباع جاهل لجاهل . تنبيه دلت الآية على تسمية البرهان سلطاناً . قال الإمام ابن القيم في ( مفتاح دار السعادة ) : إنه سبحانه سمى الحجة العلمية سلطاناً . قال ابن عباس رضي الله عنه : كل سلطان في القرآن فهو حجة ، وهذا كقوله تعالى : { إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَـٰذَآ } ، يعني ما عندكم من حجة بما قلتم ، إن هو إلا قول على الله بلا علم . وقوله تعالى : { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ } [ النجم : 23 ] ، يعني ما أنزل بها حجة ولا برهاناً ، بل هي من تلقاء أنفسكم وآبائكم . وقوله تعالى : { أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ } [ الصافات : 156 ] يعني حجة واضحة ، إلا موضعاً واحداً اختلف فيه ، وهو قوله : { مَآ أَغْنَىٰ عَنِّي مَالِيَهْ * هَّلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ } [ الحاقة : 28 - 29 ] ، فقيل : المراد به القدرة والملك ، أي : ذهب عني مالي وملكي ، فلا مال لي ولا سلطان . وقيل : هو على بابه ، أي : انقطعت حجتي وبطلت ، فلا حجة لي . والمقصود : أن الله سبحانه سمى علم الحجة سلطاناً ؛ لأنها توجب تسلط صاحبها واقتداره ، فله بها سلطان على الجاهلين ، بل سلطان العلم أعظم من سلطان اليد ، ولهذا ينقاد الناس للحجة ما لا ينقادون لليد ، فإن الحجة تنقاد لها القلوب ، وأما اليد فإنما ينقاد لها البدن ، فالحجة تأسر القلب وتقوده ، وتذل المخالف ، وإن أظهر العناد والمكابرة فقلبه خاضع لها ذليل ، مقهور تحت سلطانها ، بل سلطان الجاه ، إن لم يكن معه علم يساس به ، فهو بمنزلة سلطان السباع والأسود ونحوها ، قدرة بلا علم ولا رحمة ، بخلاف سلطان الحجة ، فإنه قدرة بعلم ورحمة وحكمة ، ومن لم يكن له اقتدار في علمه ، فهو إما لضعف حجته ، وسلطانه ، وإما لقهر سلطان اليد والسيف له ، وإلا فالحجة ناصرة نفسها ، ظاهرة على الباطل قاهرة له - انتهى . { أَتقُولُونَ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } توبيخ وتقريع على جهلهم . قال الزمخشري : لما نفى عنهم البرهان ، جعلهم غير عالمين ، فدل على أن كل قول لا برهان عليه لقائله ، فذلك جهل وليس بعلم . وقال أبو السعود : فيه تنبيه على أن كل مقالة لا دليل عليها ، فهي جهالة ، وأن العقائد لا بد لها من برهان قطعي ، وأن التقليد بمعزل من الاعتداد به .