Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 10, Ayat: 77-77)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ } أي : على وجه لم يترك لكم شبهة ، مقالتكم الحمقى ، من أنه سحر ، فحذف المحكي المقول لدلالة الكلام عليه . ثم قال : { أَسِحْرٌ هَـٰذَا } استفهام إنكار من قول موسى لا من قولهم ، فهو مستأنف لإنكار كونه سحراً ، وتكذيب لقولهم ، وتوبيخ لهم على ذلك إثر توبيخ . وليس { أَسِحْرٌ هَـٰذَا } مقولهم ؛ لأنهم بتوا القول بأنه سحر ، فكيف يستفهمون عنه ؟ - كذا قيل . ولا أرى مانعاً من أن يكون مقولهم ، والهمزة وسطت مزيدة لتكون مؤكدة لما قبلها من الاستفهام ، ومن لطائفها الاحتراس عن إيهام فاعلية سحر لـ { جَآءَكُمْ } بادئ بدء . وأسلوب القرآن فوق كل أسلوب ، أو الهمزة ومدخولها من مقولهم الأول ، حين فوجئوا بخارقه موسى ، وقولهم المذكور قبل { إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ } [ يونس : 76 ] حكاية لمقولهم الذي بتوا عليه أمرهم . ثم رأيت الناصر في ( الانتصاف ) أشار لهذا حيث قال : وأما القراءة الثانية - يعني قراءة السحر - على الاستفهام ، ففيها - والله أعلم - إرشاد إلى أن قول موسى أولا : { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا } حكاية لقولهم ، ويكون { أَسِحْرٌ هَـٰذَا } هو الذي قالوه ، ولا يناقض ذلك حكاية الله عنهم أنهم قالوا { إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } [ يونس : 76 ] ، وذلك إما لأنهم قالوا الأمرين جميعاً : بدأوا بالاستفهام على سبيل الاستهتار بالحق والاستهزاء بكونه حقاً ، والاستهزاء بالحق إنكار له ، بل قد يكون الاستفهام في بعض المواطن أبت من الإخبار ، ألا ترى أنهم يقولون في قوله : * أأنت أم أم سالم * أبلغ في البت من قوله مخبراً ( أنت أم سالم ) . ثم ثنوا بصيغة ، الخبر الخاصة ببت الإنكار ، ودعوى أنه سحر ، فقالوا : { إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } [ يونس : 76 ] فحكى الله تعالى عنهم هذا القول الثاني ، ووبخهم موسى على قولهم الأول . ومعنى العبارتين ومآلهما واحد . وإما أن لا يكونوا قالوا سوى : { أَسِحْرٌ هَـٰذَا } على سبيل الإنكار حسبما تقدم ، فحكاه الله تعالى عنهم بمآله لأنه يعلم أن مرادهم من الاستفهام الإنكار ، وبت القول أنه سحر ، وحكى موسى عليه السلام قولهم بلفظه ، ولم يؤده بعبارة أخرى . وحكاية القصص المتلوة في الكتاب العزيز بصيغ مختلفة ، لا محمل لها سوى أنها معان منقولة إلى اللغة العربية ، فيترجم عنها بالألفاظ المترادفة المتساوية المعاني . وحاصل هذا البحث : أن قول موسى عليه السلام : { أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا } إنما حكى فيه قولهم ، ويرشد إلى ذلك أنه كافأهم عندما أتوا بالسحر بمثل مقالتهم مستفهماً فقال : ما جئتم به آلسحر ( على قراءة الاستفهام ) قرضاً بوفاء على السواء . والذي يحقق لك أن الاستفهام والإخبار في مثل هذا المعنى مؤداهما واحد ، أن الله تعالى حكى قول موسى عليه السلام { مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ } [ يونس : 81 ] على الوجهين : الخبر والاستفهام ، على ما اقتضته القراءتان . وهو قول واحد ، دل أن مؤدى الأمرين واحد ، ضرورة صدق الخبر . وإنما حمل الزمخشري على تأويل القول بالتعييب ، أو إضمار مفعول ( تقولون ) استشكال وقوع الاستفهام ، محكيا بالقول ، والمحكى عنهم الخبر . وقد أوضحنا أنه لا تنافر ولا تنافي بين الأمرين . قال الناصر : فشد بهذا الفضل عري التمسك ، فإنه من دقائق النكت ، والله الموفق . وقوله تعالى : { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } من كلام موسى قطعاً ، أتى به تقريراً لما سبق ، لأنه لما استلزم كون الحق سحراً ، كون من أتى به ساحراً ، أكد الإنكار السابق ، وما فيه من التوبيخ والتجهيل ، بذلك .