Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 10, Ayat: 92-92)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ فَٱلْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ } أي : نخرجك من البحر بجسدك الذي لا روح فيه ، فرآه بنو إسرائيل ملقى على شاطئ البحر ميتاً . وفي التعبير عن إخراجه من القعر إلى الشاطئ ( بالتنجية ) التي هي الخلاص من المكروه ، تهكم واستهزاء . { لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ } من الأمم الكافرة { آيَةً } أي : عبرة من الطغيان والتمرد على أوامره تعالى . { وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } أي : لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها . تنبيه قال الشهاب الخفاجي في ( العناية ) : لا يقبل إيمان المرء حال اليأس والاحتضار ، كما يدل عليه صريح الآية : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] وأما ما وقع في ( الفصوص ) من صحة إيمانه ، وأن قوله : { آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ } [ يونس : 90 ] إيمان بموسى عليه السلام - فمخالف للنص والإجماع ، وإن ذهب إلى ظاهره الجلال الدواني رحمه الله . وله رسالة فيه طالعتها ، وكنت أتعجب منها حتى رأيت في ( تاريخ حلب ) للفاضل الحلبي أنها ليست له ، وإنما هي لرجل يسمى محمد بن هلال النحوي . وقد ردها القزويني ، وشنع عليه وقال : إنما مثاله مثال رجل خامل الذكر ، لما قدم مكة بال في زمزم ليشتهر بين الناس ، كما في المثل : ( خالف تعرف ) وفي ( فتاوى ابن حجر رحمه الله ) أن بعض فقهائنا كفَّر من ذهب إلى إيمان فرعون ولذا قيل : إن المراد بفرعون ( في كلامه ) النفس الأمارة ، وهذا كله مما لا حاجة إليه - انتهى كلام الشهاب . أقول : ذكر شيخنا العطار رحمه الله في كتابه ( الفتح المبين في رد اعتراض المعترض على محيي الدين ) خاتمة في بطلان ما نسب إلى هذا العارف من القول بصحة إيمان فرعون ونجاته ، قال رحمه الله : ليعلم أنه شاع فيما بين أهل العلم بأن حضرة محيي الدين رضي الله عنه قال بإيمان فرعون ونجاته . والحال أنه ليس كذلك ، كما ستطلع عليه من النقل عنه . نعم ، بحث في صحة القول بإيمان فرعون ، ونجاته وعدمها ، من حيث الأخذ من الآيات القرآنية ، فكان ذلك منه مجرد بحث في الدليل لا غير ، وما كان هذا قولا بإيمانه قطعياً . وقد بنى مسألة نجاة فرعون وإيمانه على أصلين من أصوله ، وافقه عليهما جم غفير من العلماء الأعلام . الأصل الأول : في بيان حقيقة إيمان اليأس ، فإيمان اليأس عنده ، وعند جم غفير من العلماء هو ما كان عند مشاهدة العذاب البرزخي ، كحال المحتضر لا غير ، ففي هذه الحالة لا ينفع الإيمان ، وهذا متفق عليه بين أهل العلم ، وذهب قوم إلى أن إيمان اليأس ما كان عند رؤية العذاب دنيوياً أو أخروياً . فالإيمان في أي حالة من الحالتين لا ينفع . وعند هذا العارف وجماعة : أن رؤية العذاب الدنيوي لا تمنع صحة الإيمان ، وإن أوجبت الهلاك في الدنيا ، فإن سنة الله قاضية بأن يتحتم وقوع الهلاك الدنيوي لمن رأى هذا العذاب ، وإن آمن ونجا من عذاب الآخرة ، إلا قوم يونس ، فإنه تعالى نجاهم منه ، كما ذكره تعالى . الأصل الثاني : من أصوله رضي الله عنه : أن من حقت عليه الكلمة لا يتلفظ بمادة الإيمان بقصد الإيمان ، وإن تلفظ بها لا يقصده ، فلابد من تكذيب الله تعالى له ، ولو بالحكاية عنه ، كما قال تعالى : { وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ } [ البقرة : 14 ] وكما قال : { قَالَتِ ٱلأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } [ الحجرات : 14 ] فكذبهم تعالى في دعواهم . وهذا الأصل مأخوذ من قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } [ يونس : 96 - 97 ] فكلمة { حَتَّىٰ } للغاية . فغيّا تعالى إيمانهم إلى حين رؤية العذاب الأليم ، وهو الأخروي لا غير ، فإنه هو الذي يوصف بالأليم . ونفى تعالى عنهم وقوع الإيمان قبل ذلك ، فوقوعه منهم قبله قصدا ، محال بنص هذه الآية . إذا تقرر هذان الأصلان ، فلنرجع إلى ما قاله هذا الحبر في شأن فرعون في ( الفتوحات المكية ) وفي ( الفصوص ) : فالذي ذكره في ( الفتوحات ) عن ذكره طبقات أهل النار فيها : هو أن فرعون من أهل النار ، حيث قال في هذا البحث : كفرعون وأضرابه ، فخص له ولهم من النار طبقة مخصوصة يؤبدون فيها . وأشار إلى كفره في موضع آخر منها عند ذكره هذا الحديث وهو : " أعوذ بك منك " ؟ قال : استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقام الاتحاد الذي كان عليه فرعون وهو قوله : { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } [ النازعات : 24 ] وعلى هذه الإشارة وما تقدم ، يكون فرعون كافراً عنده ، كما هو عند عامة الخلق . وعلى هذا لا إشكال ولا كلام . بقي القول على إيمان فرعون ونجاته من حيث الدليل ، وهو مجرد بحث مع الذين ذهبوا إلى كفره قطعيا ، وليس لهم هذا القطع ، لما أن الدليل القرآني يعطي خلافه . قال تعالى : { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ } [ يونس : 90 ] الآية - فذكر فرعون هنا الإيمان ثلاث مرات : اثنان في الجناب الإلهي ، والأخير يعمه ، والإيمان بموسى حيث قال : { وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ يونس : 90 ] ولم يكن مسلما إلا من جمع بين الإيمان بالله وبرسوله . ثم قال شيخنا رحمه الله : وفي ( الفتوحات ) و ( الفصوص ) ما حاصله : أن إيمانه لم يكن عند اليأس ، لا على مذهبه ومذهب من وافقه ، ولا على مذهب غيره . أما الأول فلأن إيمانه كان عند رؤية العذاب الدنيوي ، لا عند احتضاره ، والإيمان عند رؤية العذاب الدنيوي لا يعد يأساً عنده ، وعند جمع . وأما على الثاني ، فلأن قول فرعون ما كان عند يأسه من الحياة الدنيوية ، فإنه علم أن من آمن بما آمن به قوم موسى كان له المشاركة في الطريق اليبس التي كانت للمؤمنين ، وقد شاركهم في إيمانهم ، فكان الغالب على ظنه أو بيقينه المعاملة الخاصة بالمؤمنين ، والمشاهدة له ، وما علم سنة الله في خلقه بأنه لابد من الهلاك الدنيوي لمن كانت حالته كذلك . والهلاك في الدنيا لا يدل على عدم النجاة في الآخرة ، وهو ظاهر . وعلى هذا فإيمانه لم يكن حال اليأس على المذهبين : فالأول بيقين ، والثاني بحسب ما يظهر ، ولا يعد بأنه كان طامعاً في النجاة بيقين ، لعموم المشاركة . هذا ، وإن مذهب هذا العارف الخاص به هو البناء على اتساع الرحمة الإلهية ، والأخذ بالظواهر من الآيات ، ومع ذلك فلما ذكر البحث في شأن إيمان فرعون ونجاته ، مع من قال بخلافهما ، قال : إن الوقف في شأن إيمان فرعون هو الأسلم ، لما شاع عند الخلق عامة من شقائه ، وهذا منه صريح في أنه كان باحثاً في إيمانه ونجاته من ظاهر اللفظ القرآني بحثاً ، لا جازماً بهما - انتهى ملخصاً . ثم أنبأ تعالى عما أنعم به على بني إسرائيل ، إثر نعمة إنجائهم من عدوهم وإهلاكه ، وإخلالهم بشكرها وأداء حقوقها بقوله : { وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ … } .