Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 100, Ayat: 1-5)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } إقسام بخيل الغزاة التي تعدو نحو العدو ، فتضبح . و ( الضبح ) صوت أنفاسِها إذا عَدَتْ . وليس المراد بالصوت الصهيل . بل قواها ( اح . اح ) كما قاله ابن عباس . ونصب { ضَبْحاً } إما بفعله المحذوف ، أو بالعاديات لإفادته معناه ، أو بالحالية { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } أي : تورى النار بحوافرها . والقدح هو الضرب لإخراج النار ، والإيراء يترتب عليه . لأنه إخراج النار وإيقادها . فإيراؤها ما يرى من صدم حوافرها للحجارة . وتسمى نار الحباحب . ولما كان مرتباً على عَدْوها ، عطفه بالفاء . وكون المراد به الحرب - بعيد . وفي إعرابه الوجوه السابقة . { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } أي : تغير على العدوّ في وقته . يقال : ( أغار على العدوّ ) إذا هجم عليه ليقتله أو يأسره أو يستلب ماله . قال الإمام : وهو وصف عرض للخيل من الغاية التي أجريت لها . أي : أنها تعدو ويشتد عدوها حتى يخرج الشرر من حوافرها ، لتهجم على عدوّ وقت الصباح ، وهو وقت المفاجأة لأخذ العدو على غير أهبة { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } أي : فأهجن ، بذلك الوقت غباراً من الإثارة . وهي التهييج وتحريك الغبار ونحوه ليرتفع . والنقع : الغبار كما ذكرنا ، وورد بمعنى الصياح . فجوز إرادته هنا بمعنى صياح من هجم عليه ، وأوقع به . لا صياح المغير على المحارب ، وإن جاز على بُعْد فيه . أي : هيجن الصياح بالإغارة على العدوّ ، وضمير { بِهِ } للوقت والباء ظرفية . وفيه احتمالات أخر . ككونه للعدو أو للإغارة ، لتأويلها بالجري . فالباء سببية أو للملابسة . ويجوز كونها ظرفية أيضاً . والضمير للمكان الدال عليه السياق ، للعلم بأن الغبار لا يثار إلا من موضع . وهو الذي اختاره ابن جرير . قال الشهاب : وذكر إثارة الغبار ، للإشارة إلى شدة العَدْوِ وكثرة الكرّ والفرّ . وتخصيص الصبح ؛ لأن الغارة كانت معتادة فيه . أي : لمباغتة العدوّ . والغبار إنما يظهر نهاراً ، و { أَثَرْنَ } معطوف على ما قبله . قال الناصر : وحكمة الإتيان بالفعل معطوفاً على الاسم ، الذي هو العاديات أو ما بعده ؛ لأنها أسماء فاعلين تعطي معنى الفعل . وحكمة مجيء هذا المعطوف فعلا عن اسم فاعل ، تصوير هذه الأفعال في النفس . فإن التصوير يحصل بإيراد الفعل بعد الاسم لما بينهما من التخالف . وهو أبلغ من التصوير بالأسماء المتناسقة . وكذلك التصوير بالمضارع بعد الماضي . وقوله تعالى : { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } أي : فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء ، ففرقنه وشتتنه . يقال : ( وسطت القوم ) بالتخفيف و ( وسطته ) بالتشديد و ( توسطته ) بمعنى واحد . وفي الضمير الوجوه المتقدمة . قال الإمام رحمه الله : أقسم تعالى بالخيل متصفة بصفاتها التي ذكرها ، آتية بالأعمال التي سردها لينوه بشأنها ويعلي من قدرها في نفوس المؤمنين أهل العمل والجد . ليعنوا بقنيتها وتدريبها على الكر والفر ، وليحملهم أنفسهم على العناية بالفروسية والتدرب على ركوب الخيل ، والإغارة بها . ليكون كل واحد منهم مستعداً في أي وقت كان ، لأن يكون جزءاً من قوة الأمة إذا اضطرت إلى صدّ عدو ، أو بعثها باعث على كسر شوكته . وكان في هذه الآيات القارعات ، وفي تخصيص الخيل بالذكر في قوله : { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [ الأنفال : 60 ] وفيما ورد من الأحاديث التي لا تكاد تحصر - ما يحمل كل فرد من رجال المسلمين على أن يكون في مقدمة فرسان الأرض مهارة في ركوب الخيل . ويبعث القادرين منهم على قنية الخيل على التنافس في عقائلها . وأن يكون فن السباق عندهم يسبق بقية الفنون إتقاناً . أفليس من أعجب العجب أن ترى أمما ، هذا كتابها ، قد أهملت شأن الخيل والفروسية ، إلى أن صار يشار إلى راكبها بينهم بالهزؤ والسخرية ؟ وأخذت كرام الخيل تهجر بلادهم إلى بلاد أخرى . ثم قال : يقسم الله بالخيل صاحبة تلك الصفات التي رفع ذكرها ، ليؤكد الخبر الذي جاء في قوله : { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ … } .