Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 102, Ayat: 1-8)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَّاثُرُ * حَتَّىٰ زُرْتُمُ ٱلْمَقَابِرَ } أي : شغلكم التباهي بالكثرة في المال والولد ونحوهما . فيقول هذا : أنا أكثر منك مالاً ، والآخر : أنا أكثر منك ولداً . وهكذا مما يصرف عن الجد في العمل ، ويطفئ نور الاستعداد وصفاء الفطرة والعقل والكمالات المعنوية الباقية . ذهب بكم التفاخر والتباهي بهذه الأمور الفانية ، من كثرة الأموال والأولاد ، وشرف الآباء والأجداد كل مذهب { حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ } أي : حتى هلكتم ومتم وصرتم من أصحاب القبور ، فأفنيتم عمركم في الأعمال السيئة وما تَنَبَّهْتُمْ طولَ حياتكم إلى ما هو سبب سعادتكم ونجاتكم . وزيارةُ القبور عبارة عن الموت . روى الزمخشري شواهد لها . قال الشهاب : وفيها إشارة إلى تحقق البعث ؛ لأن الزائر لا بد من انصرافه عما زاره ؛ ولذا قال بعض الأعراب لما سمعها : بعثوا ، ورب الكعبة ! وقال ابن عبد العزيز : لا بد لمن زار ، أن يرجع إلى جنة أو نار . وسمى بعض البلغاء المقبرة ، دهليز الآخرة { كَلاَّ } ردع عن الاشتغال بالتكاثر ، وتوهم أن الفوز بالتفاخر . فإن الفوز بالتناصر على الحق والتحلي بالفضائل { سَوْفَ تَعْلَمُونَ } أي : مغبة ما أنتم عليه في الآخرة ، من وخامة عاقبة الاشتغال بهذه الشهوات السريعة الزوال ، العظيمة الوبال ، لبقاء تبعاتها . { ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ } تكرير للتأكيد . و { ثُمَّ } للدلالة على أن الثاني أبلغ من الأول . أو الأول عند الموت ، والثاني عند النشور { كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ ٱلْيَقِينِ } أي : لو تعلمون ما بين أيديكم من الجزاء ، علم الأمر اليقين ، لكان ما لا يدخل تحت الوصف من الندم والتحسر على فوات العمر العزيز في التكاثر ، والذهول عن الحق به . واليقين بمعنى المتيقن ، صفة لمحذوف ، أو صفة للعلم على أنه من إضافة الصفة للموصوف ، وحذف جواب { لَوْ } ليطلبه العقل من الشرط وما سبقه ، ليستحكم فيه فضل استحكام . وقوله تعالى : { لَتَرَوُنَّ ٱلْجَحِيمَ } جواب قسم مضمر ، أكد به الوعيد ، وشدد به التهديد ، وأوضح به ما أنذروه تفخيما { ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ ٱلْيَقِينِ } أي : الرؤية التي هي نفس اليقين ، فالعين هنا بمعنى النفس ، كما في ( جاء زيد عينه ) أي : نفسه . وإنما كانت نفس اليقين ؛ لأن الانكشاف بالرؤية والمشاهدة ، فوق سائر الانكشافات . فهو أحق بأن يكون عين اليقين . والتكرير للتأكيد . قال الإمام : وكني برؤية الجحيم ، عن ذوق العذاب فيها . وهي كناية شائعة في الكتاب العزيز . { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ ٱلنَّعِيمِ } أي : عن النعيم الذي ألهاكم التكاثر به والتفاخر في الدنيا . ماذا عملتم فيه ؟ ومن أين وصلتم إليه ؟ وفيم أصبتموه ؟ وماذا عملتم به ؟ ويدخل في ذلك ما أنعم عليهم من السمع والبصر وصحة البدن . قال ابن عباس : النعيم : صحة الأبدان والأسماع والأبصار . قال : يسأل الله العباد فيم استعملوا وهو أعلم بذلك منهم . وهو قوله : { إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36 ] قال ابن جرير : لم يخصص في خبره تعالى نوعاً من النعيم دون نوع . بل عم . فهو سائلهم عن جميع النعم . ولذا قال مجاهد : أي : عن كل شيء من لذة الدنيا . وقال قتادة : إن الله عز وجل سائل كل عبد عما استودعه من نعمه وحقه .