Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 106, Ayat: 1-4)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ * إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيْفِ } قال ابن هشام : إيلاف قريش إلفهم الخروج إلى الشام في تجارتهم . وكانت لهم خرجتان : خرجة في الشتاء وخرجة في الصيف . قال : أخبرني أبو زيد الأنصاري أن العرب تقول : ألفت الشيء إلفا ، وآلفته إيلافا ، في معنى واحد وأنشدني لذي الرمة : @ من المُؤْلِفاتِ الرمْلَ إدماءُ حرةٌ شُعاعُ الضُّحَى في لونها يَتَوَضَّحُ @@ والإيلاف أيضاً : أن يكون للإنسان ألف من الإبل أو البقر أو الغنم أو غير ذلك ، ويقال آلف فلان إيلافا ، قال الكميت بن زيد : @ بِعَامٍ يقول له المُؤْلِفُو ن هذا المُعِيمُ لنا المُرْجِلُ @@ والمعيم العام الذي قل فيه اللبن . والإيلاف أيضاً أن يصير القوم ألفا ؛ يقال : آلف القوم إيلافا . قال الكميت : @ وآل مُزَيْقيَاءِ غداةَ لاَقَوْا بني سعد بن ضَبَّةَ مُؤْلِفِينَا @@ والإيلاف أيضاً أن يُؤُلفَ الشيء إلى الشيء ، فيألفه ويلزمه . يقال : آلفته إياه إيلافا . والإيلاف أيضاً أن تصير ما دون الألف ألفا . يقال : آلفته إيلافا . انتهى . ولورود الإيلاف بهذه المعاني ، ظهر سر إبداله بالمقيد منه بعد إطلاقه . مع ما في الإبهام ، ثم التفسير من التفخيم والتقرير . روى ابن جرير عن عكرمة قال : كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمن ، يختلفون إلى هذه في الشتاء وإلى تلك في الصيف . وعن ابن زيد قال : كانت لهم رحلتان : الصيف إلى الشام والشتاء إلى اليمن في التجارة . إذا كان الشتاء امتنع الشام منهم لمكان البرد . وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن . وعن ابن عباس قال : كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف . والأكثرون على الأول . واللام في قوله ( لإيلاف ) متعلق بقوله تعالى : { فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلْبَيْتِ } أي : فليعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين . ودخلت الفاء ، لما في الكلام من معنى الشرط . إذ المعنى ، أن نعم الله تعالى عليهم غير محصورة . فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة . والبيت هو الكعبة المشرفة { ٱلَّذِيۤ أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ } أي : جوع شديد كانوا فيه قبل الرحلتين فـ { مِّنْ } تعليلية . أي : أنعم عليهم وأطعمهم لإزالة الجوع عنهم أو بدلية { وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } أي : مما يخاف منه من لم يكن من أهل الحرم من الغارات والحروب والقتال والأمور التي كانت العرب يخاف بعضها من بعض . قال ابن زيد : كانت العرب يغير بعضها على بعض ويسبي بعضها بعضا . فأمنوا من ذلك لمكان الحرم وقرأ : { أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ } [ القصص : 57 ] ونظيره أيضاً قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ ٱلنَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ } [ العنكبوت : 67 ] . تنبيه زعم بعض الناس أن اللام في { لإِيلاَفِ } متعلق بما قبله أي : فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش . قال الشهاب : وعلى هذا لا بد من تأويله . والمعنى : أهلكهم ولم يسلط على أهل حرمه ليبقوا على ما كانوا عليه . أو أهلك من قصدهم ليعتبر الناس ولا يجترئ عليهم أحد ، فيتم لهم الأمن في الإقامة والسفر ، أو هي لام العاقبة . انتهى . ولا يخفى ما فيه من التكلف . ولذا قال ابن جرير في رده : وأما القول الذي قاله من حكينا قوله أنه من صلة قوله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 5 ] فإن ذلك لو كان كذلك لوجب أن يكون { لإِيلاَفِ } بعض { أَلَمْ تَرَ } [ الفيل : 1 ] وأن لا تكون سورة منفصلة من { أَلَمْ تَرَ } [ الفيل : 1 ] وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان ، كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى ، ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك . ولو كان قوله : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } من صلة قوله : { فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ } [ الفيل : 5 ] لم تكن { أَلَمْ تَرَ } [ الفيل : 1 ] تامة حتى توصل بقوله : { لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ } لأن الكلام لا يتم إلا بانقضاء الخبر الذي ذكر . انتهى .