Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 107, Ayat: 1-7)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ أَرَأَيْتَ ٱلَّذِي يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ } أي : بثواب الله وعقابه ، فلا يطيعه في أمره ونهيه . قال أبو السعود : استفهام أريد به تشويق السامع إلى معرفة من سيق له الكلام والتعجيب منه . والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم . أو لكل عاقل . والرؤية بمعنى : العلم . والفاء في قوله تعالى : { فَذَلِكَ ٱلَّذِي يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ } جواب شرط محذوف ، على أن ( ذلك ) مبتدأ والموصول خبره . والمعنى : هل عرفت الذي يكذب بالجزاء أو بالإسلام ، أن لم تعرفه أو إن أردت أن تعرفه فهو الذي يدفع اليتيم دفعاً عنيفاً ويزجره زجراً قبيحاً . يقال : دفعت فلاناً عن حقه : دفعت عنه وظلمته { وَلاَ يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ } أي : لا يحث غيره من ذوي اليسار على إطعام المحتاج وسد خلته . بل يبخل بسعيه عند الأغنياء لإغاثة البؤساء . قال الشهاب : إن كان الطعام بمعنى الإطعام ، كما قاله الراغب ، فهو ظاهر . وإلا ففيه مضاف مقدر . أي : بذل طعام المسكين . واختياره على الإطعام للإشعار بأنه كان مالك لما يعطي له كما في قوله : { فِيۤ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } [ المعارج : 24 - 25 ] فهو بيان لشدة الاستحقاق . وفيه إشارة للنهي عن الامتنان ، قال أبو السعود : وإذا كان حال من ترك حث غيره على ما ذكر ، فما ظنك بحال من ترك ذلك مع القدرة ؟ قال الزمخشري : جعل علم التكذيب بالجزاء منع المعروف والإقدام على إيذاء الضعيف . يعني : أنه لو آمن بالجزاء وأيقن بالوعيد ، لخشي الله تعالى وعقابه ، ولم يقدم على ذلك . فحين أقدم عليه علم أنه مكذب ، فما أشده من كلام ! وما أخوفه من مقام ! وما أبلغه في التحذير من المعصية وإنها جديرة بأن يستدل بها على ضعف الإيمان ورخاوة عقد اليقين . وقوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلاَتِهِمْ سَاهُونَ } قال ابن جرير : أي : لاهون يتغافلون عنها وذلك باللهو عنها والتشاغل بغيرها . وتضييعها أحياناً وتضييع وقتها أخرى . وقال القاشاني : أي : فويل لهم ، أي : للموصوفين بهذه الصفات ، من دعّ اليتيم وعدم الحث على طعام المسكين . الذين إن صلَّوْا غفلوا عن صلاتهم لاحتجابهم عن حقيقتها بجهلهم وعدم حضورهم . و ( المصلين ) من باب وضع الظاهر موضع المضمر للتسجيل عليهم بأن أشرف أفعالهم وصور حسناتهم سيئات وذنوب ؛ لعدم ما هي به معتبرة من الحضور والإخلاص ، وأورد على صيغة الجمع لأن المراد بالذي يكذب هو الجنس { ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ } أي : يراؤون الناس بصلاتهم إذا صلوا لأنهم لا يصلون رغبة في ثواب ، ولا رهبة من عقاب . وإنما يصلونها ليراهم المؤمنون فيظنوهم منهم فيكفوا عنهم . وأصل المراءاة أن ترى غيرك ويراك . أريد به العمل عند الناس ليثنوا عليهم . أوضحه الشهاب . { وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ } أي : ما يعان به الخلق ويصرف في معونتهم من الأموال والأمتعة وكل ما ينتفع به ، لكون الجهل حاكما عليهم بالاستئثار بالمنافع وحرمانهم عن النظر التوحيديّ وعدم اعتقادهم بالجزاء . فلا محبة لهم للحق للركون إلى العالم الفاني ، ولا عدالة في أنفسهم للاتصاف بالرذائل والبعد عن الفضائل ، فلا يعاونون أحدا فلن يفلحوا أبداً . قاله القاشاني . تنبيه المعنيّ بهذه الآيات أولا وبالذات المنافقون في عهد النبوة . ويدخل فيها ثانياً وبالعرض كل من وجد فيهم تلك الخلال الذميمة اعتباراً بالعموم . فالسورة مدنية . ونظيرها في المنافقين قوله تعالى : { وَإِذَا قَامُوۤاْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَىٰ يُرَآءُونَ ٱلنَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } [ النساء : 142 ] ولذا قال ابن عباس فيما رواه ابن جرير : هم المنافقون ، كانوا يراؤون الناس بصلاتهم إذا حضروا ، ويتركونها إذا غابوا ، ويمنعونهم العارية بغضاً لهم ، وهو الماعون .