Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 108, Ayat: 1-3)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } أي : الخير الكثير من القرآن والحكمة والنبوة والدين الحق والهدى وما فيه من سعادة الدارين . روى ابن جرير عن أبي بشر قال : سألت سعيد بن جبير عن الكوثر ، فقال : هو الخير الكثير الذي آتاه الله إياه . فقلت لسعيد : إنا كنا نسمع أنه نهر في الجنة . فقال : هو من الخير الذي أعطاه الله إياه { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ } قال الإمام : أي : فاجعل صلاتك لربك وحده ، وانحر ذبيحتك مما هو نسك لك لله وحده ، فإنه هو مربيك ومسبغ نعمه عليك دون سواه ، كما قال تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الأنعام : 162 - 163 ] { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ ٱلأَبْتَرُ } قال ابن جرير : أي : إن مبغضك يا محمد ، وعدوك ، هو الأبتر . يعني : الأقل الأذل المنقطع دابره الذي لا عقب له . روى ابن إسحاق عن يزيد بن رومان قال : كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له . فإذا هلك انقطع ذكره " فأنزل الله هذه السورة . وعن عطاء قال : نزلت في أبي لهب . وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال : بتر محمد الليلة . فأنزل الله في ذلك السورةَ . وقال شمر بن عطية : نزلت في عقبة بن أبي معيط . قال ابن كثير : والآية تعم جميع من اتصف بذلك ، ممن ذكر وغيرهم . وقال الإمام : كان المستهزئون من قريش كالعاص بن وائل وعقبة بن أبي معيط وأبي لهب وأمثالهم ، إذا رأوا أبناء النبيّ صلى الله عليه وسلم يموتون ، يقولون : بتر محمد . أي : لم يبق له ذكر في أولاده من بعده ، ويعدون ذلك عيبا يلمزونه به وينفرون به الناس من أتباعه وكانوا إذا رأوا ضعف المسلمين وفقرهم وقلتهم يستخفون بهم ويهونون أمرهم ، ويعدون ذلك مغمزاً في الدين . ويأخذون القلة والضعف دليلا على أن الدين ليس بحق ، ولو كان حقّاً لنشأ مع الغني والقوة ، شأن السفهاء مع الحق في كل زمان أو مكان غلب فيه الجهل . وكان المنافقون إذا رأوا ما فيه المؤمنون من الشدة والبأساء يمنون أنفسهم بغلبة إخوانهم القدماء من الجاحدين . وينتظرون السوء بالمسلمين لقلة عددهم وخلوّ أيديهم من المال . وكان الضعفاء من حديثي العهد بالإسلام من المؤمنين ، تَمُرُّ بنفوسهم خواطر السوء عندما تشتد عليهم حلقات الضيق . فأراد الله سبحانه أن يمحص من نفوس هؤلاء ، ويبكت الآخرين ، فأكد الخبر لنبيه ، أن ما يخيله النظر القصير قليلا ، هو الكثير البالغ الغاية في الكثرة . ليؤكد له الوعد بأنه هو الفائز ، وأن متبعه هو الظافر ، وأن عدوه هو الخائب ، الأبتر الذي يمحى ذكره ويعفى أثره . تنبيه لما روي من سبب نزول هذه السورة مما رويناه ، ذهب إمام اللغة ابن جني إلى تأويل الكوثر بالذرية الكثيرة . وهو معنى بديع فيه مناسبة لسبب النزول . قال ابن جني في ( شرح ديوان المتنبي ) في قوله يمدح طاهر بن الحسين العلويّ : @ وأبهرُ آياتِ التهاميّ أنه أبوك وأَجْدَى ما لكم من مَنَاقِبِ @@ في جملة ما أملاه عليّ أبو الفضل العروضيّ : أن قريشاً وأعداء النبيّ صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون : إن محمداً أبتر لا عقب له . فإذا مات استرحنا منه فأنزل الله تعالى : { إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ } أي : العدد الكثير ، ولست بالأبتر الذي قالوه . ومراده بالعدد الكثير الذرية وهم أولاد فاطمة . قال العروضيّ : فإن قيل : الإنسان بالأبناء والآباء والأمهات . قلنا : هذا خلاف حكم الله تعالى فإنه قد قال : { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } [ الأنعام : 84 ] إلى قوله : { وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ } [ الأنعام : 85 ] فجعل عيسى من أولاد إبراهيم ومن ذريته . ولا خلاف في أنه لم يكن لعيسى أب . انتهى . وقد بسطنا أدلة صحة انتساب الأسباط إلى أجدادهم في كتاب ( شرف الأسباط ) بما لا مزيد عليه . فراجعه .