Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 114-114)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } أي : غدوة وعشية { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } أي : وساعات منه ، وهي ساعاته القريبة من آخر النهار . من ( أزلفه ) إذا قربه ، وازدلف إليه . وصلاة الغدوة : الفجر . وصلاة العشية : الظهر والعصر ، لأن ما بعد الزوال عشيّ ، وصلاة الزلف المغرب والعشاء - كذا في الكشاف . والآية كقوله تعالى : { أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيلِ وَقُرْآنَ ٱلْفَجْرِ } [ الإسراء : 78 ] . في جميعها للصلوات الخمس جمعا بالغا غاية اللطف في بلاغة الإيجاز ، وانتصاب { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } على الظرف لإضافته إليه . و { زُلَفاً } قرأها العامة بضم ففتح ، جمع زلفة ، كظلمة وظلم . وقرئ بضمهما ، إما على أنه جمع زلفة أيضاً ، ولكن ضمت عينه اتباعاً لفائه ، أو على أنه اسم مفرد كعنق . ، أو جمع زليف بمعنى زلفة كرغيف ورغف . وقرئ بإسكان اللام ، إما بالتخفيف ، فيكون فيها ما تقدم ، أو على أن السكون على أصله ، فهو كبسرة وبسر ، من غير اتباع . وقرئ ( زلفى ) كحبلى ، بمعنى قريبة ، أو على إبدال الألف من التنوين ، إجراء للوصل مجرى الوقف . ونصبه إما على الظرفية ، بعطفه على { طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ } لأن المراد به الساعات ، أو على عطفه على { ٱلصَّلاَةَ } ، فهو مفعول به . والزلفة عند ثعلب ، أول ساعات الليل . قال الأخفش : مطلق ساعات الليل ، وأصل معناه القرب . يقال ازدلف أي : اقترب و { مِّنَ ٱلَّيْلِ } صفة زلفا - كذا في العناية . { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ } أي : التي من جملتها ، بل عمدتها ، ما أمرت به من الصلوات { يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } أي : التي قلما يخلو منها البشر ، أي : يكفرنها . { ذٰلِكَ } أي : إقامة الصلوات في الأوقات المذكورة ، { ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } أي : ذكرى له تعالى ، وإحضار للقلب معه ، وتصفية من كدورات اللهو والنسيان لعظمته . وقد روي " عن ابن مسعود رضي الله عنه ؛ أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني عالجت امرأة في أقصى المدينة ، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها ، وأنا هذا فاقض فيَّ ما شئت ! فقال عمر رضي الله عنه : لقد سترك الله تعالى لو سترت على نفسك . قال : فلم يردّ النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً . فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً فدعاه ، وتلا عليه هذه الآية { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ … } إلخ . فقال رجل من القوم : يا رسول الله ! هذا له خاصة ؟ قال : " بل للناس كافة " أخرجه البخاري وغيره . وفي رواية عن أبي أمامة قال له صلى الله عليه وسلم : " " أتممت الوضوء وصليت معنا ؟ " قال : نعم ، قال : " فإنك من خطيئتك كما ولدتك أمك ، فلا تَعُدْ " وقرأ الآية . وفي رواية : فنزلت الآية وبالمراد بالنزول شمولها ، بنزولها المتقدم ، لما وقع ، لا أنها كانت سبباً في النزول - كما بيناه غير مرة . وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من درنه شيء ؟ " قالوا : لا . قال : " فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بها الخطايا " ورواه البخاري أيضاً عن جابر . ورُوي نحوه عن عثمان وسلمان . وللإمام أحمد عن معاذ ؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " . وله عن أبي ذر مرفوعاً : " " إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها " قلت : يا رسول الله ! أمن الحسنات : لا إله إلا الله ؟ قال : " هي أفضل الحسنات " أي : فالحسنات مثل الصلاة والذكر والصدقة والاستغفار ، ونحو ذلك من أعمال البرّ . لطيفة أشار القاشاني عليه الرحمة ، هنا إلى سرّ الصلوات الخمس في أوقاتها بما يجدر الوقوف عليه ، فقال : لما كانت الحواس الخمس شواغل تشغل القلب بما يَرِدُ عليه من الهيئات الجسمانية ، وتجذبه عن الحضرة الرحمانية ، وتحجبه عن النور والحضور ، بالإعراض عن جناب القدس ، والتوجه إلى معدن الرجس ، وتبدله الوحشة بالأنس ، والكدورة بالصفاء - فرضت خمس صلوات ، يتفرغ فيها العبد للحضور ، ويسدّ أبواب الحواس ، لئلا يَرِد على القلب شاغل يشغله ، ويفتح باب القلب إلى الله تعالى بالتوجه والنية ، لوصول مدد النور ، ويجمع همه عن التفرق ، ويستأنس بربه عن التوحش ، مع اتحاد الوجهة ، وحصول الجمعية ، فتكون تلك الصلوات خمسة أبواب مفتوحة للقلب ، على جناب الرب ، يدخل عليه بها النور بإزاء تلك الخمسة المفتوحة إلى جانب الغُرور ، وداراً للعين الغرور تدخل بها الظلمة ليُذْهب النور الوارد آثار ظلماتها ، ويكسح غبار كدوراتها . وهذا معنى قوله : { إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ } . وقد ورد في الحديث : " إن الصلاة إلى الصلاة كفارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر " وأمر بإقامتها طرفي النهار ، لينسحب حكمها ببقاء الجمعية ، واستيلاء الهيئة النورية ، في أوله إلى سائر الأوقات ، فعسى أن يكون من الذين هم على صلاتهم دائمون ، لدوام ذلك الحضور ، وبقاء ذلك النور ، ويكسح ويزيل في آخره ما حصل في سائر الأوقات من التفرقة والكدورة . ولما كانت القوى الطبيعية المدبرة لأمر الغذاء ، سلطانها في الليل ، وهي تجذب النفس إلى تدبير البدن بالنوم عن عالمها الروحاني ، وتحجزها عن شأنها الخاص بها الذي هو مطالعة عالم القدس بشغلها باستعمال آلات الغذاء ، لعمارة الجسد فتسلبها اللطافة ، وتكدرها بالغشاوة - احتيج إلى تلطيفها وتصفيتها باليقظة ، وتنويرها بالصلاة ، فقال : { وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ } انتهى .