Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 11, Ayat: 119-119)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ } أي : لكنّ ناسا رحمهم بهدايتهم إلى التوحيد ، وتوفيقهم للكمال ، فاتفقوا في المذهب والمقصد ، ووافقوا في السيرة والطريقة ، قبلتهم الحق ، ودينهم التوحيد والمحبة . قال تعالى : { وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ } في المشار إليه أقوال ، أظهرها أنه للاختلاف الدال عليه ( مختلفين ) . فالضمير حينئذ للناس ، أي : لثمرة الاختلاف ، من كون فريق في الجنة ، وفريق في السعير ، خلقهم . واللام لام العاقبة والصيرورة ، لأن حكمة خلقهم ليس هذا ، لقوله تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] ولأنه لو خلقهم له ، لم يعذبهم عليه . أو الإشارة له وللرحمة المفهومة من ( رحم ) ، لتأويلها بـ ( أن والفعل ) أو كونها بمعنى الخير . وتكون الإشارة لاثنين ، كما في قوله { عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ } [ البقرة : 68 ] والمراد لاختلاف الجميع ورحمة بعضهم ، خلقهم . وهذا معزوّ إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، وإن كان الضمير لـ ( من ) فالإشارة للرحمة بالتأويل السابق - كذا في العناية . وأشار القاشاني : إلى بقاء اللام على معناها ، وهو التعليل بوجه آخر ، حيث قال : وللاختلاف خلقهم ليستعد كل منهم لشأن وعمل ، ويختار بطبعه أمرا وصنعة ، ويستتب بهم نظام العالم ، ويستقيم أمر المعاش ، فهم محامل لأمر الله ، حمل عليهم حمول الأسباب والأرزاق ، وما يتعيش به الناس ، ورتب بهم قوام الحياة الدنيا ، كما أن الفئة المرحومة مظاهر لكماله ، أظهر الله بهم صفاته وأفعاله ، وجعلهم مستودع حكمه ومعارفه وأسراره . وقوله تعالى : { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ } أي : أحكمت وأبرمت وثبتت وهي هذه : { لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } والمراد من { ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ } عصاتهما ، والتعريف للعهد ، والقرينة عقلية ، لما علم من الشرع أن العذاب مخصوص بهم ، وأن الوعيد ليس إلا لهم ، ولا حاجة إلى تقدير مضاف كما قيل . فـ { أَجْمَعِينَ } حينئذ ظاهر ، وإن لم يحمل على العهد ، وأبقى على إطلاقه ، ففائدة التأكيد بيان أن ملء جهنم من الصنفين ، لا من أحدهما فقط ، ويكون الداخلوها منهما مسكوتاً عنه ، موكولاً إلى علمه تعالى ، فاندفع ما أورد على ظاهرها من اقتضائه دخول جميع الفريقين جهنم . وبطلانُه معلوم بالضرورة . أما على الأول فظاهر ، وأما على الثاني فالمراد بلفظ { أَجْمَعِينَ } تعميم الأصناف ، وذلك لا يقتضي دخول جميع الأفراد ، كما إذا قلت : ملأت الجراب من جميع أصناف الطعام ، فإنه لا يقتضي ذلك إلا أن يكون فيه شيء من كل صنف من الأصناف ، لا أن يكون فيه جميع أفراد الطعام . كقوله : امتلأ المجلس من جميع أصناف الناس ، لا يقتضي أن يكون في المجلس جميع أفراد الناس ، بل يكون فيه من كل فرد صنف ، وهو ظاهر . وعلى هذا تظهر فائدة لفظ { أَجْمَعِينَ } إذ فيه ردّ على اليهود وغيرهم ، ممن زعم أنه لا يدخل النار - كذا في العناية . ولما ذكر تعالى ، فيما تقدم من أنباء الأمم الماضية ، والقرون الخالية ، ما جرى لهم مع أنبيائهم - أشار هنا إلى سر ذلك وحكمته ، بقوله : { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ … } .