Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 12, Ayat: 80-80)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً } أي : يئسوا من يوسف وإجابته لهم أشد يأس . كما دل عليه ( السين والتاء ) ، فإنهما يزادان في المبالغة . قال أبو السعود : وإنما حصلت لهم هذه المرتبة من اليأس ، لما شاهدوه من عوذه بالله لما طلبوه ، الدال على كون ذلك عنده في أقصى مراتب الكراهة ، وأنه مما يجب أن يحترز عنه ، ويعاذ بالله عز وجل ، ومن تسميته ( ظلماً ) بقوله : { إِنَّـآ إِذاً لَّظَالِمُونَ } [ يوسف : 79 ] و { خَلَصُواْ } بمعنى اعتزلوا وانفردوا عن الناس ، خالصين ، لا يخالطهم سواهم . و { نَجِيّاً } حال من فاعل { خَلَصُواْ } أي : اعتزلوا في هذه الحالة مناجين . وإنما أفردت الحال ، وصاحبها جمع ، إما لأن النجيّ ( فعيل ) بمعنى ( مفاعل ) ، كالعشير والخليط ، بمعنى المعاشر والمخالط ، كقوله : { وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً } [ مريم : 52 ] أي : مناجياً ، وهذا في الاستعمال يفرد مطلقاً . يقال : هم خليطك وعشيرك ، أي : مخالطوك ومعاشروك . وإما لأنه صفة على ( فعيل ) بمنزلة صديق ، وبابه . فوحد لأنه بزنة المصادر ، كالصهيل والوحيد والذميل . وإما لأنه مصدر بمعنى التناجي ، أطلق على المتناجين مبالغة ، أو لتأويله بالمشتق والمصدر ، ولو بحسب الأصل ، يشمل القليل والكثير . وتنزيل المصدر منزلة الأوصاف أبلغ في المعنى ، ولذا قال الزمخشري : وأحسن منه - أي : من تأويل { نَجِيّاً } بذوي نجوى أو فوجا نجيّاً أي : مناجياً - أنهم تمحضوا تناجياً لاستجماعهم لذلك ، وإفاضتهم فيه ، بجد واهتمام ، كأنهم في أنفسهم صورة التناجي وحقيقته ، وكان تناجيهم في تدبير أمرهم على أي صفة يذهبون ، وماذا يقولون لأبيهم في شأن أخيهم ؟ كقوم تعايوا بما دهمهم من الخطب ، فاحتاجوا إلى التشاور . انتهى . لطيفة ذكر القاضي عياض في ( الشفا ) في ( بحث إعجاز القرآن ) : أن أعرابيّا سمع رجلاً يقرأ : { فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً } ، فقال : أشهد أن مخلوقا لا يقدر على مثل هذا الكلام . وقال الثعالبي في كتاب ( الإيجاز والإعجاز ) في الباب الأول : من أراد أن يعرف جوامع الكلم ، ويتنبه لفضل الاختصار ، ويحيط ببلاغة الإيماء ، ويفطن لكفاية الإيجاز ، فليتدبر القرآن ، وليتأمل علوه على سائر الكلام . ثم قال : فمن ذلك قوله عز ذكره ، في إخوة يوسف : { فَلَمَّا ٱسْتَيْأَسُواْ مِنْهُ خَلَصُواْ نَجِيّاً } ، وهذه صفة اعتزالهم جميع الناس وتقليبهم الآراء ظهراً لبطن ، وأخذهم في تزوير ما يلقون به أباهم عند عودهم إليه ، وما يوردون عليه من ذكر الحادث ، فتضمنت تلك الكلمات القصيرة معاني القصة الطويلة . وقوله تعالى : { قَالَ كَبِيرُهُمْ } أي : في السن ، كما هو المتبادر ، وهو ، فيما يروى ( رؤبين ) ، { أَلَمْ تَعْلَمُوۤاْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَّوْثِقاً مِّنَ ٱللَّهِ } أي : عهداً وثيقاً في رد أخيكم ، وإنما جعل منه تعالى لكون الحلف كان باسمه الكريم { وَمِن قَبْلُ } أي : قبل هذا { مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ } أي : قصرتم في شأنه . و ( ما ) إما مزيدة ، و ( من ) متعلق بالفعل بعده والجملة حالية . وإما مصدرية في موضع رفع بالابتداء ، و { وَمِن قَبْلُ } خبره . أو في موضع نصب عطفاً على معمول { تَعْلَمُوۤاْ } . وإما موصولة بالوجهين ، أي : قدمتموه في حقه من الخيانة ، ولم تحفظوا عهد أبيكم ، بعد ما قلتم : { وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ } [ يوسف : 11 ] ، { وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ يوسف : 12 ] . { فَلَنْ أَبْرَحَ ٱلأَرْضَ } أي : فلن أفارق أرض مصر { حَتَّىٰ يَأْذَنَ لِيۤ أَبِيۤ } أي : في الرجوع { أَوْ يَحْكُمَ ٱللَّهُ لِي } أي : بالخروج من مصر ، أو بخلاص أخي بسبب ما . { وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ } لأنه لا يحكم إلا بالحق والعدل . ثم أمر كبيرهم أن يخبروا أباهم بما جرى ، فقال : { ٱرْجِعُوۤاْ إِلَىٰ أَبِيكُمْ … } .