Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 33-33)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } أي : مراقب لأحوالها ومشاهد لها ، لا يخفى عليه ما تكسبه من خير أو شرّ . فهو مجاز ؛ لأن القائم على الشيء عالم به ، ولذا يقال : وقف عليه - إذا علمه فلم يخف عليه شيء من أحواله ، والخبر محذوف تقديره : كمن ليس كذلك - وإنما حذف اكتفاءً بدلالة السياق عليه وهو قوله : { وَجَعَلُواْ لِلَّهِ شُرَكَآءَ } أي : عبدوها معه من أصنام وأنداد وأوثان . وقوله : { قُلْ سَمُّوهُمْ } تبكيت لهم إثر تبكيت ، أي : سمّوهم من هم ، وماذا أسماؤهم ؟ فإنهم لا حقيقة لهم ! أو صفوهم وانظروا هل لهم ما يستحقون به العبادة ويستأهلون الشركة ؟ وقال الرازي : إنما يقال ذلك في الأمر المستحقر الذي بلغ في الحقارة إلى أن لا يذكر ولا يوضع له اسم ، فعند ذلك يقال : سمّه إن شئت ، يعني : إنه أخسّ من يسمّى ويذكر ، ولكنك إن شئت أن تضع له اسماً فافعل . فكأنه تعالى قال : سمّوهم بالآلهة ، على سبيل التهديد ، والمعنى سواء سميتموهم بهذا الاسم أو لم تسموهم به ، فإنها في الحقارة بحيث لا تستحق أن يلتفت العاقل إليها . { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي ٱلأَرْضِ } أي : بشركاء لا يعلمهم سبحانه ، وإذا كان لا يعلمهم ، وهو عالم بكل شيء مما كان ومما يكون ، فهم لا حقيقة لهم ، فهو نفي لهم بنفي لازمهم على طريق الكناية . قال الناصر : وحقيقة هذا النفي أنهم ليسوا بشركاء وأن الله لا يعلمهم كذلك لأنهم ليسوا كذلك ، وإن كانت لهم ذوات ثابتة يعلمها الله ، إلا أنها مربوبة لا آلهة معبودة ، ولكن مجيء النفي على هذا السنَنَ المتلوّ بديع لا تكتنه بلاغته وبراعته . ولو أتى الكلام على الأصل غير محلّى بهذا التصريف البديع لكان : وجعلوا لله شركاء وما هم بشركاء ، فلم يكن بهذا الموقع الذي اقتضته التلاوة . وقوله تعالى : { أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ ٱلْقَوْلِ } أي : بل أتسمونهم شركاء بظاهر من القول من غير أن يكون لذلك حقيقة ، كتسمية الزنجيّ كافوراً من غير بياض فيه ولا رائحة طيبة ، لفرط الجهل وسخافة العقل ، وهذا كقوله تعالى : { ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ } [ التوبة : 30 ] { مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا } [ يوسف : 40 ] . وعن الضحاك : إنّ الظاهر بمعنى الباطل ، كقوله : @ وذلك عارٌ يا ابن رَيْطَةَ ظَاهِرُ @@ تنبيه قال الزمخشري : هذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها منادٍ على نفسه بلسان طلق ذلق ؛ أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف من نفسه . قال شارحوه : فإن قوله تعالى : { أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ } لما كان كافياً في هدمِ قاعدة الإشراك مع السابق واللاحق وما ضمن من زيادات النكت ، وكان إبطالاً من طريق حق ، مذيلاً بإبطال من طرف النقيض على معنى : ليتّهم إذ أشركوا بمن لا يجوز أن يشرك به ، أشركوا من يتوهم فيه ذلك أدنى توهم ، وروعي فيه أنه لا أسماء للشركاء ولا حقيقة لها فضلاً عن المسمى على الكناية الإيمائية . ثم بولغ بأنها لا تستأهل أن يسأل عنها على الكناية التلويحية استدلالاً بنفي العلم عن نفي المعلوم . ثم منه إلى عدم الاستئهال مع التوبيخ ، وتقدير أنهم يريدون أن ينبئوا عالم السرّ والخفيات بما لا يعلمه وهو محال على محال . وفي جعل اتخاذهم شركاء ومجادلة الرسول عليه الصلاة والسلام إنباءً له تعالى ، نكتة بل نكت سرية ، ثم أضرب عن ذلك وقيل : قد بين الشمس لذي عينين وما تلك التسمية إلا بظاهر من القول لا طائل تحته بل هو صوت فارغ . فمن تأمل حقّ التأمل ، اعترف بأنه كلام خالق القُوَى والقدر ، الذي تقف دون أستار أسراره أفهام البشر … ! وقوله تعالى : { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ } إضراب عن الاحتجاج عليهم . كأنه قيل : دع ذكر ما كنا فيه من الدلائل على فساد قولهم ؛ لأنه زين لهم كفرهم ومكرهم ، فلا ينتفعون بهذه الدلائل . وقوله تعالى : { وَصُدُّواْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ } أي : عن سبيل الله ، وقرئ : بفتح الصاد أي : صدوا الناسَ { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ } أي : يخلق فيه الضلال بسوء اختياره أو يخذله { فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } أي : من أحد يهديه .