Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 13, Ayat: 39-39)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ } أي : ينسخ ما يشاء نسخه من الشرائع لما تقتضيه الحكمة بحسب الوقت { وَيُثْبِتُ } أي : بَدَلَهُ ما فيه المصلحة ، أو يبقيه على حاله غير منسوخ { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } أي : أصله . قال الرازيّ : العرب تسمي كلّ ما يجري مجرى الأصل للشيء أُمّاً له ، ومنه أمّ الرأس للدماغ وأم القرى لمكة . وكل مدينة فهي أمّ لما حولها من القرى . فكذلك أم الكتاب هو الذي يكون أصلاً لجميع الكتب . روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية يقول : يبدل الله ما يشاء فينسخه ويثبت ما يشاء فلا يبدله { وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } يقول : وجملة ذلك عنده في أم الكتاب الناسخ والمنسوخ . وما يبدل وما يثبت . كل ذلك في كتاب . وعن قتادة : أن هذه الآية كقوله تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا … } الآية [ البقرة : 106 ] . تنبيه تمسّك جماعة بظاهر قوله تعالى : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ } فقالوا : إنها عامة في كل شيء كما يقتضيه ظاهر اللفظ . قالوا : يمحو الله من الرزق ويزيد فيه . وكذا القول في الأجل والسعادة والشقاء والإيمان والكفر . قال الرازي : هو مذهب عمر وابن مسعود . والقائلون بهذا القول كانوا يدعون ويتضرعون إلى الله تعالى في أن يجعلهم سعداء لا أشقياء . انتهى . أشار بذلك إلى آثار أخرجها ابن جرير عن عمر وابن مسعود وليس في الصحيح شيء منها . ظَهرَ لي في دمّر 12 ربيع الأول سنة 1324هـ : إن ما يستدل به الكثير من الآيات لمطلب ما ، أن يدقق النظر فيه تدقيقاً زائداً ، فقد يكون سياق الآية لأمر لا يحتمل غيره ، ويظنّ ظانّ أنه يستدل بها في بحثٍ آخر ، وقد يؤكده ما يراه من إطباق كثير من أرباب التصانيف على ذلك ، وإنما المدار على فهم الأسلوب والسياق والسباق . خُذْ لك مثلاً قوله تعالى : { يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } فكم ترى من يستدل بها على العلم المعلّق ، ومحو ما في اللوح الذي يسمونه ( لوح المحو والإثبات ) ويوردون من الإشكالات والأجوبة ما لا يجد الواقف عليه مقنعاً ولا مطمأنّاً . مع أنّ هذه الآية ، لو تمعّن فيها القارئ ؛ لعلم أنها في معنى غير ما يتوهمون ، وذلك أنهم كانوا يقترحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، في أوائل البعثة ، أن يأتي بآية كآية موسى وعيسى . توهماً أن ذلك هو أقصى ما يدل على نبوة النبيّ في كل زمان ومكان . فأعلمهم الله تعالى أنّ دور تلك الآيات الحسّيّة انقضى دورها وذهب عصرها . وقد استعد البشر للتنبّه إلى الآية العقلية ، وهي آية الاعتبار والتبصّر . وإن تلك الآيات محيت كما محي عصرها . وقد أثبت تعالى غيرها ممّا هو أجلى وأوضح وأدلّ على الدعوة ، وهو قوله تعالى قبلها : { وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُواْ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ ٱلْكِتَابِ } .