Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 13, Ayat: 41-41)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } أي : أرض الكفرة . ننقصها عليهم بإظهار دين الإسلام من أطراف ممالكهم . قال ابن عباس : أي : أو لم يروا أنا نفتح للرسول الأرض بعد الأرض ؛ يعني أن انتقاص أحوال الكفرة وازدياد قوة المسلمين من أقوى العلامات على أنه تعالى ينجز وعده ، ونظيره قوله تعالى : { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَآ أَفَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الأنبياء : 44 ] ، وقوله : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ … } الآية [ فصلت : 53 ] . قال الشهاب : هذا مرتبط بما قبله . يعني لم يؤخر عذابهم لإهمالهم ، بل لوقته المقدر ، أو ما ترى نقص ما في أيديهم من البلاد وزيادة ما لأهل الإسلام . ولم يخاطب صلى الله عليه وسلم به تعظيماً له ، وخاطبهم تهويلاً وتنبيهاً عن سِنَةِ الغفلة . ومعنى { نَأْتِي ٱلأَرْضَ } يأتيها أمرنا وعذابنا . انتهى . وقيل : ننقصها من أطرافها بموت أهلها وتخريب ديارهم وبلادهم ، فهؤلاء الكفرة كيف أمنوا من أن يحدث فيهم أمثال هذه الوقائع ؟ تنبيه يذكرون - ههنا - رواية عن ابن عباس ومجاهد : أن نقصها من أطرافها هو موت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها . ويتأيد من يعتمد ذلك بأن الجوهري حكى عن ثعلب : أن الأطراف يطلق على الأشراف جمع طَرَف وهو الرجل الكريم ، وشاهده قول الفرزدق : @ وَاسْأَلْ بِنَا وَبِكُمْ ، إِذَا وَرَدَتْ مِنًى أَطْرَافُ كلِّ قَبِيلَةٍ مَنْ يَتْبَعُ ؟ @@ يريد أشراف كل قبيلة . فمعنى الآية : أو لم يروا ما يحدث في الدنيا من الاختلافات : موت بعد حياة ، وذل بعد عزّ ، ونقص بعد كمال ! وإذا كان هذا مشاهدا محسوساً فما الذي يؤمنهم من أن يقلب الله الأمر عليهم فيذلهم بعد العزة ! ولا يخفاك أن هذا المعنى لا يذكره السلف تفسيراً للآية على أنه المراد منها ، وإنما يذكرونه تهويلا لخطب موت العلماء بسبب أنهم أركان الأرض وصلاحها وكمالها وعمرانها ، فموتهم نقص لها وخراب منها . كما قال أحمد بن غزال : @ الأرض تحيى إذا ما عاش عالمها متى يمتْ عالم منها يمتْ طَرَفُ كالأرض تحيى إذا ما الغيثُ حلّ بها وإن أَبَى عَادَ في أكْنَافِهَا التَّلَفُ @@ ولذا قال الأزهريّ كما في ( لسان العرب ) : أطراف الأرض نواحيها الواحد طرف ، ( وننقصها من أطرافها ) أي : نواحيها ناحية ناحية ، وعلى هذا مَنْ فسر ( نقصها من أطرافها ) فتوحَ الأرضين . وأما من جعل ( نقصها من أطرافها ) موتَ علمائها فهو من غير هذا ، قال : والتفسير على القول الأول . وقوله تعالى : { وَٱللَّهُ يَحْكُمُ } أي : ما يشاء كما يشاء ، وقد حكم للإسلام بالعز والإقبال ، وعلى الكفر بالذل والإدبار ، حسبما يشاهد من المخايل والآثار . وفي الالتفات من التكلم إلى الغيبة ، وبناء الحكم على الاسم الجليل ، من الدلالة على الفخامة وتربية المهابة وتحقيق مضمون الخبر ، بالإشارة إلى العلة ، ما لا يخفى وهي جملة اعتراضية جيء بها لتأكيد فحوى ما تقدمها . وقوله تعالى : { لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } اعتراض في اعتراض . لبيان علوّ شأن حكمه تعالى . وقيل : نصب على الحالية كأنه قيل : والله يحكم نافذاً حكمه - كما تقول : جاء زيد لا عمامة على رأسه ، أي : حاسراً . و ( المعقب ) من يكرّ علي الشيء فيبطله ، وحقيقته من يعقبه ويقفّيه بالرد والإبطال . أفاده أبو السعود . { وَهُوَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ } أي : فعمّا قليل يحاسبهم ويجازيهم في الآخرة بعد عذاب الدنيا بالقتل والأسر .