Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 14, Ayat: 22-22)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقَالَ ٱلشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ ٱلأَمْرُ } وهو الحكم بنجاة السعداء وهلاك الأشقياء { إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ } أي : على ألسنة رسله بأن في اتباعهم النجاة والسلامة ، أي : فوفى به وأنجز { وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ } أي : ووعدتكم وعد الباطل ، وهو أن لا بعث ولا جزاء . ولئن كان ، فالأصنام شفعاؤكم . ولم يصرح ببطلانه لدلالة قوله : { فَأَخْلَفْتُكُمْ } عليه . والإخلاف مستعار لعدم تحقق ما أخبر به وكذبه ، أو مشاكلة . وفي الآية من الإيجاز البليغ شبه الاحتباك . حيث حذف أولاً ( فوفى به ) لدلالة قوله بعدُ { فَأَخْلَفْتُكُمْ } عليه لأنه مقابله ، وحذف ثانياً ( وعد الباطل ) لدلالة { وَعْدَ ٱلْحَقِّ } . { وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ } أي حجة وبرهان { إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي } أي : أسرعتم لطاعتي بمجرد ذلك ، أي : وقد أقامت عليكم الرسل الحجج والأدلة الصحيحة على صدق ما جاءوكم به ، فخالفتموهم فصرتم إلى ما أنتم فيه { فَلاَ تَلُومُونِي } أي : بوعدي إياكم ، إذ لم يكن بطريق القسر { وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ } أي : حيث استجبتم لي باختياركم ، حين دعوتكم بلا حجة ولا دليل . ولم تستجيبوا لربكم ، إذ دعاكم دعوة الحق المقرونة بالبراهين والحجج . قال القاشانيّ : لما ظهر سلطان الحق على شيطان الوهم وتنوّر بنوره ، أسلم وأطاع وصار محقاً عالماً بأن الحجة للهِ في دعوته للخلق إلى الحق ، لا له . ودعوته إلى الباطل بتسويل الحكام وتزيين الحياة الدنيا عليهم - واهية فارغةعن الحجة . وأقرّ بأن وعده تعالى بالبقاء بعد خراب البدن والثواب والعقاب عند البعث ، حقٌّ قد وفى به . ووعدي بأن ليس إلا الحياة الدنيا باطل اختلقته . فاستحقاق اللوم ليس إلاّ لمن قبلَ الدعوة الخالية عن الحجة فاستجاب لها . وأعرض عن الدعوة المقرونة بالبرهان فلم يستجب لها . انتهى . وحكي في ( الإكليل ) عن ابن الفرس : أن بعضهم انتزع من هذا إبطال التقليد في الاعتقاد . قال : وهو انتزاع حسن . لأنهم اتبعوا الشيطان بمجرد دعواه ، ولم يطلبوا منه برهاناً . فحكى الله قوله تقبيحاً لذلك الفعل منهم . انتهى . { مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ } أي : بمغيثكم ومنجيكم من العذاب { وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } أي : مما أنا فيه . قال ابن الأعرابيّ : الصارخ : المستغيث ، والمصْرِخ : المغيث ، يقال : صرخ فلان إذا استغاث وقال : واغوثاه ! وأصرخته أغثته . فالهمزة للسلب . يعني أزلت صراخه ، وهو مدّ الصوت . { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } أي : كفرت اليوم بإشراككم إياي من قبل هذا اليوم - أي : في الدنيا - يعني : جحدت أن أكون شريكاً لله عز وجل ، وتبرأت منه ومنكم فلم يبق بيني وبينكم علاقة كقوله تعالى : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } [ فاطر : 14 ] وقوله : { وَإِذَا حُشِرَ ٱلنَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } [ الأحقاف : 6 ] وقوله : { كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً } [ مريم : 82 ] . { إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ابتداء كلام منه تعالى ، أو تتمة كلام الشيطان . قال الزمخشري : وإنما حكى الله عزّ وعلا ما سيقوله في ذلك الوقت ، ليكون لطفاً للسامعين في النظر لعاقبتهم والاستعداد لما لا بدّ لهم من الوصول إليه وأن يتصوروا في أنفسهم ذلك المقام الذي يقول الشيطان فيه ما يقول ، فيخافوا ويعملوا ما يخلصهم منه وينجيهم . ولما ذكر تعالى مآل الأشقياء وما صاروا إليه من الخزي والنكال ، عطف بمآل السعداء بقوله سبحانه : { وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ … } .