Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 14, Ayat: 50-50)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ } تشبيه لهم بأكره ما يوجد منظراً عند العرب . وهو الإبل الجربى التي تطلى بالقطران . وإعلام بأن لهم أعظم ما ينال الجلد داء وهو تقرحه بالجرب . وأخبث ما يكون دواء لقبحه لوناً وريحاً ، وهو القطران ، فإنه أسود منتن الريح . قال الزمخشري : تطلى به جلود أهل النار حتى يعود طلاؤه لهم كالسرابيل وهي القمص لتجتمع عليهم الأربع : لذع القطران ، وحرقته ، وإسراع النار في جلودهم ، واللون الوحش ، ونتن الريح ، على أن التفاوت بين القطرانين كالتفاوت بين النارين . وكلُّ ما وعده الله وأوعد به في الآخرة فبينه وبين ما نشاهده من جنسه ما لا يقادَرُ قدره . وكأنه ما عندنا منه إلا الأسامي . والمسميات ثمة . فبكرمه الواسع نعوذ من سخطه . ونسأله التوفيق فيما ينجينا من عذابه . انتهى . ويؤيد ما بيناه من أن في الآية إشارة إلى ابتلائهم بجرب جهنم : ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن أبي مالك الأشعريّ رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن : الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة على الميت . والنائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب " . وقد وقفت على رسالة لشمس البلغاء الخوارزميّ أنفذها لمن شكا إليه داء الجرب . جاء منها قوله : الجرب حكة مادتها يبوسة وحرارة ووقود والتهاب . وعسكر من عساكر البلاء تمده القذارة . كما تزيد فيه اليبوسة والحرارة . وعلة تدل على تضييع واجب النفس من التعهد ، وعلى التفريط في العلاج والتفقد . تنطق بأن صاحبها ضعيف المُنَّة في التوقي . أسير في يد الحرص والتشهّي . غاشّ لنفسه . قليل البقيا على روحه . وهذه العلة تكسب صاحبها خزيا وحياء . وتورثه خجلا واسترخاء . ينظر إلى الناس بعين المريب . ويتستر عنهم كتستر المعيب . تنفر عنه الطباع ، وتستقذره النفوس . وتنبو عن مواكلته العيون . وأقل ما يصيبه أنه يحرم آلة المطاعم وهي يداه . وآلة اللقاء والزيارة وهي رجلاه . ولو لم يكن من دقائق آفاتها . ومن عجيب هباتها ، إلا أنها تشيخ الفتيان . وتمسخ الإنسان . وتجعله أميا بعد أن كان غير أمّي . وأعجميّا وليس بأعجميّ ، تنفر عن نفسه نفسُه . وتهرب من فراشه عرسُه . ويتباعد عنه أقرب الناس منه . ثم هي رُبْع من أرباع الخذلان وقسم من أقسام الحرمان . قال الشاعر : @ أعاذك الله من أشياءَ أربعةٍ : الموتُ والعشقُ والإفلاسُ والجَرَبُ @@ وما الظن بداء قد سارت به الأمثال وقيلت فيه ، دون سائر الأدواء ، الأقوال . قال أبو تمام : @ لما رأت أختَها بالأمس قد خَرِبَتْ كان الخرابُ لها أعْدَى من الْجَرَبِ @@ وقال لبيد : @ ذهب الذين يُعاشُ في أكنافهِمْ وبقيتُ في خلْف كجِلْدِ الأَجْرَبِ @@ فجعله رأس الأدواء . ووصفه بأنه غاية البلاء . انتهى . وقوله تعالى : { وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ } أي : تعلوها وتحيط بها النار التي تمس جسدهم المسربل بالقطران . وتخصيص الوجوه لكونها أعز موضع في ظاهر البدن وأشرفه ، كالقلب في باطنه ولذلك قال : { تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } [ الهمزة : 7 ] ولكونها مجمع الحواس التي خلقت لإدراك الحق ، وقد أعرضوا عنه ، ولم يستعملوها في تدبره . كما أن الفؤاد أشرف الأعضاء الباطنة ومحل المعرفة ، وقد ملئوها بالجهالات . أفاده الزمخشريّ وأبو السعود .