Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 101-102)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوۤاْ إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ * قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } . التبديل : رفع الشيء مع وضع غيره مكانه . فتبديل الآية رفعها بآية أخرى . والأكثرون على أن المعنى نسخ آية من القرآن لفظاً أو حكما بآية أخرى غيرها ، لحكمة باهرة أشير إليها بقوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } من ناسخ قضت الحكمة أن يتبدل المنسوخ الأول به . وذهب قوم إلى أن المعنى تبديل آية من آيات الأنبياء المتقدمين . كآية موسى وعيسى وغيرهما ، من الآيات الكونية الآفاقية ، بآية أخرى نفسية علمية . وهي كون المنزل هدى ورحمة وبشارة يدركها العقل إذا تنبه لها وجرى على نظامه الفطريّ . وذلك لاستعداد الإنسان وقتئذ ؛ لأن يخاطب عقله ويستصرخ فمه ولبه . فلم يؤت من قبل الخوارق الكونية ويدهش بها كما كان لمن سلف . فبدلت تلك بآية هو كتاب العلم والهدى من نبيٍّ أُمِّيّ لم يقرأ ولم يكتب . وكون الكتاب بيّن الصدق قاطع البرهان ناصع البيان بالنسبة لمن أوتي العلم ورزق الفهم . وهذا التأويل الثاني يرجحه على الأول ، أن السورة مكية . وليس في المكيّ منسوخ بالمعنى الذي يريدونه . وللبحث تفصيل في موضع آخر . وقد أشرنا إلى ذلك في آيتين من سورة البقرة في قوله تعالى : { وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا } إلخ [ البقرة : 23 ] ، وقوله تعالى : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ } [ البقرة : 106 ] والمقصود أنه تعالى ، لما رحم العالمين وجعل القرآن مكان ما تقدم ، نسبوا الموحى إليه به إلى الافتراء ، ردّاً للحق ، وعناداً للهدى ، وتولياً للشيطان ، وتعبّدا لوسوسته ، وما ذاك إلا لجهلهم المتناهي ، كما قال : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } واعترض قوله : { وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ } لتوبيخ الكفرة والتنبيه على فساد رأيهم . ثم أمره تعالى بأن يصدع بالحق في شأنه بقوله : { قُلْ نَزَّلَهُ } أي : القرآن المدلول عليه بالآية { رُوحُ ٱلْقُدُسِ } يعني جبريل عليه السلام . أضيف إلى القدس وهو الطهر . كما يقال : ( حاتم الجود وزيد الخير وخبر السوء ورجل صدق ) والمراد الروح المقدس وحاتم الجواد وزيد الخيّر والخبر السيء والرجل الصادق . وإنما أضافوا الموصوف إلى مصدر الصفة للمبالغة في كثرة ملابسته له واختصاصه به . والمقدس : المطهّر من الأدناس البشرية . وإضافة ( الرب ) إلى ضميره صلوات الله عليه في قوله تعالى : { مِن رَّبِّكَ } للدلالة على تحقيق إفاضة آثار الربوبية . وقوله : { بِٱلْحَقِّ } أي : متلبساً بالحق الثابت الموافق للحكمة التي اقتضاها دور عصره ، وقوله تعالى : { لِيُثَبِّتَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } أي : على الحق ونبذ وساوس الشياطين . وفي قوله تعالى : { وَهُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ } تعريض بحصول أضداد هذه الصفات لغيرهم .