Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 116-117)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } أي : لا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم من البهائم ، بالحل والحرمة في قولكم { مَا فِي بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلأَنْعَٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوَٰجِنَا } [ الأنعام : 139 ] من غير استناد ذلك الوصف إلى وحي من الله فـ { ٱلْكَذِبَ } مفعول ( تقولوا ) وقوله : { هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ } بدل من { ٱلْكَذِبَ } واللام صلة للقول . كما يقال : لا تقل للنبيذ إنه حلال ، أي : في شأنه وحقه . فهي للاختصاص . وفيه إشارة إلى أنه مجرد قول باللسان ، لا حكم مصمم عليه . أو { هَـٰذَا حَلاَلٌ } مفعول { تَقُولُواْ } و { ٱلْكَذِبَ } مفعول { تَصِفُ } واللام في { لِمَا تَصِفُ } تعليلية و { مَا } مصدرية . ومعنى تصف تذكر . وقوله : { لِّتَفْتَرُواْ } بدل من التعليل الأول . أي : لا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لأجل وصف ألسنتكم الكذب ، أي : لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة . وليس بتكرار مع قوله : { لِّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ } لأن هذا لإثبات الكذب مطلقاً ، وذلك لإثبات الكذب على الله فهو إشارة إلى أنهم لتمرنهم على الكذب اجترءوا على الكذب على الله ، فنسبوا ما حللوه وحرموه إليه . وعلى هذا الوجه - كون الكذب مفعول { تَصِفُ } - ففي وصف ألسنتهم الكذب مبالغة في وصف كلامهم بالكذب ، لجعله عين الكذب . ترقى عنها إلى أن خيل أن ماهية الكذب كانت مجهولة ، حتى كشف كلامهم عن ماهية الكذب وأوضحها ، فـ { تَصِفُ } بمعنى توضح فهو بمنزلة الحدِّ والتعريف الكاشف عن ماهية الكذب . فالتعريف في الكذب للجنس . كأنَّ ألسنتهم إذا نطقت كشفت عن حقيقته . وعليه قول المعرّي : @ سَرَى برقُ المَعَرَّةِ بَعْدَ وَهْنٍ فَبَاتَ بِرَامَةٍ يَصِفُ الكَلاَلا @@ ونحوه : ( نهاره صائم ) إذا وصف اليوم بما يوصف به الشخص ، لكثرة وقوع ذلك الفعل فيه . و ( وجهها يصف الجمال ) لأن وجهها لما كان موصوفاً بالجمال الفائق ، صار كأنه حقيقة الجمال ومنبعه ، الذي يعرف منه . حتى كأنه يصفه ويعرّفه . كقوله : @ أضحتْ يمينُكَ من جودٍ مصوّرةً لا بل يمنيك منها صُوِّرَ الجود @@ فهو من الإسناد المجازيّ . أو نقول : إن وجهها يصف الجمال بلسان الحال … فهو استعارة مكنية . كأنه يقول : ما بي هو الجمال بعينه . ومثله وارد في كلام العرب والعجم . وهذا زبدة ما في ( شروح الكشاف ) . وما في الآية أبلغ من المثال المذكور ، لما سمعت . أفاده في ( العناية ) . واللام في : { لِّتَفْتَرُواْ } لام الصيرورة والعاقبة المستعارة من التعليلية . إذ ما صدر منهم ليس لأجل هذا ، بل لأغراض أخر يترتب عليها ما ذكر . وجوز كونها تعليلية ، وقصدهم لذلك غير بعيد . وفي قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ . … } الآية ، وعيد شديد بعدم ظفرهم وفوزهم بمطلوب يعتد به لا في الدنيا ولا في الآخرة . أما في الدنيا ، فلأن ما يفترون لأجله متاع قليل ينقطع عن قريب . وأما في الآخرة فلهم عذاب أليم ، كما قال : { نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ } [ لقمان : 24 ] . تنبيه قال الحافظ ابن كثير : يدخل في الآية كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعيّ أو حلل شيئاً مما حرّم الله ، أو حرم شيئاً مما أباح الله ، بمجرد رأيه وتشهّيه . أخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية في سورة النحل . فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا . قال في ( فتح البيان ) : صدق رحمه الله . فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله ، أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . كما يقع كثيراً من المؤثرين للرأي المقدّمين له على الرواية . أو الجاهلين بعلم الكتاب والسنة . وأخرج الطبرانيّ عن ابن مسعود قال : عسى رجل يقول : إن الله أمر بكذا أو نهى عن كذا . فيقول الله عز وجل : كذبت . أو يقول : إن الله حرم كذا أو أحلّ كذا : فيقول الله له : كذبت . قال ابن العربيّ : كره مالك وقوم أن يقول المفتي : هذا حلال وهذا حرام في المسائل الاجتهادية . وإنما يقال ذلك فيما نص الله عليه . ويقال في المسائل الاجتهادية : إني أكره كذا وكذا ، ونحو ذلك . ولما ذكر تعالى ما حرمه علينا من الميتة والدم … إلخ ، بيّن ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم مما ليس فيه أيضاً شيء مما حرمه المشركون ، تحقيقاً لافترائهم بأن ما حظروه لا سند له في شريعة سابقة ولا لاحقة ، فقال سبحانه : { وَعَلَىٰ ٱلَّذِينَ هَادُواْ … } .