Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 16, Ayat: 122-123)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَآتَيْنَاهُ فِي ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةً } أي : من الذكر الجميل . كما قال : { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً } [ مريم : 50 ] ومن الصلاة والسلام عليه ، كما قال : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ * سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } [ الصافات : 108 - 109 ] ومن تمتيعه بالحظوظ ليتقوى على القيام بحقوق العبودية { وَإِنَّهُ فِي ٱلآخِرَةِ } أي : في عالم الأرواح { لَمِنَ ٱلصَّالِحِينَ } أي : المتمكنين في مقام الاستقامة ، بإيفاء كل ذي حق حقه ، الذين لهم الدرجات العليا في الجنة . { ثُمَّ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } أي : بعد هذه الكرامات والحسنات التي أعطيناهُ إياها في الدارين ، شرفناه وكرمناه بأمرنا ، باتباعك إياه في التوحيد وأصول الدين التي لا تتغير في الشرائع . كأمر المبدأ والمعاد والحشر والجزاء وأمثالها . لا في فروع الشريعة وأوضاعها وأحكامها . فإنها تتغير بحسب المصالح واختلاف الأزمنة والطبائع ، وما عليه أحوال الناس من العادات والخلائق . قاله القاشانيّ . وفي ( الإكليل ) استدل أصحابنا بهذه الآية على وجوب الختان ، وما كان من شرعه ، ولم يرد به ناسخ . لطيفة قال الزمخشريّ : في : { ثُمَّ } هذه ما فيها من تعظيم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإجلال محله ، والإيذان بأن أشرف ما أوتي خليل الله إبراهيم صلى الله عليه وسلم من الكرامة ، وأجلّ ما أولى من النعمة ، إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ملته ، من قِبَلِ أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة ، من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها . قال الناصر : وإنما تفيد ذلك { ثُمَّ } لأنها في أصل وضعها لتراخي المعطوف عليه في الزمان . ثم استعملت في تراخيه عنه في علوّ المرتبة ، بحيث يكون المعطوف على رتبته وأشمخ محلاً مما عطف عليه . فكأنه بعد أن عدَّد مناقب الخليل عليه السلام ، قال تعالى : وههنا ما هو أعلى من ذلك كله قدراً ، وأرفع رتبة ، وأبعد رفعة ، وهو أن النبيّ صلى الله عليه وسلم الأميّ ، الذي هو سيد البشر ، متبع لملة إبراهيم ، مأمور باتباعه بالوحي ، متلوّاً أمره بذلك في القرآن العظيم . ففي ذلك تعظيم لهما جميعاً . لكن نصيب النبيّ صلى الله عليه وسلم من هذا التعظيم أوفر وأكبر . على ما مهدناه .