Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 16, Ayat: 14-14)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً } هو السمك . قال الزمخشريّ : ووصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه ، فيسارع إلى أكله ، خيفة الفساد عليه . قال الناصر : فكأنَّ ذلك تعليم لأكله ، وإرشاد إلى أنه لا ينبغي أن يتناول إلا طريّاً . والأطباء يقولون : إن تناوله بعد ذهاب طراوته أضر شيء يكون . والله أعلم . انتهى . قال الشهاب : ففيه إدماج لحكم طبّيّ . وهذا لا ينافي تقديده وأكله مخلّلا ، كما توهم . انتهى . أقول : الأظهر في سر وصفه بالطراوة ، هو التنبيه على حسنه ولطفه ، وعلى التفكر في باهر قدرته وعجيب صنعه ، سبحانه ، في خلقه إياه ، على كيفية تباين لحوم حيوانات البر ، مع اشتراكهما في الحيوانية . { وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً } كاللؤلؤ والمرجان { تَلْبَسُونَهَا } أي : تلبسها نساؤكم ، والإسناد إليهم لأنهن من جملتهم في الخلطة والتابعية . ولأنهن إنما يتزينّ بها من أجلهم فكأنها زينتهم ولباسهم . أو معنى ( تلبسون ) تتمتعون وتلتذون . على طريق الاستعارة والمجاز . ولو جعل من مجاز البعض لصح . أي : تلبسها نساؤكم . قال الناصر : ولله درّ مالك رضي الله عنه ، حيث جعل للزوج الحجر على زوجته فيما له بال من مالها . وذلك مقدر بالزائد على الثلث ، لحقه فيه بالتجمل . فانظر إلى مكنة حظ الرجال من مال النساء ومن زينتهن ، حتى جعل حظ المرأة من مالها وزينتها حلية له . فعبّر عن حظه في لبسها بلبسه ، كما يعبر عن حظها سواء . قال الشهاب : فإن قلت : الظاهر أن يقال تحلونهن أو تقلدونهن كما قال : @ تَرُوعُ حَصَاهُ حَالِيَةَ العَذَارَى فَتَلْمَسُ جَانِبَ الْعِقْدِ النَّظِيمِ @@ وهي للنساء دون الرجال . قلت : أما الأول فسهل . لأن المراد لازمه . أي : تحلونهن والثاني ، على فرض تسليمه ، هم يتمتعون بزينة النساء ، فكأنهم لابسون . وإذا لم يكن تغليباً ، فهو مجاز ، بمعنى : تجعلونها لباساً لبناتكم ونسائكم . ونكتة العدول ، أن النساء مأمورات بالحجاب وإخفاء الزينة عن غير المحارم . فأخفى التصريح به ليكون اللفظ كالمعنى . انتهى . وناقش صاحب ( فتح البيان ) ما قدروه في الآية حيث قال : وظاهر قوله تعالى : { تَلْبَسُونَهَا } أنه يجوز للرجال أن يلبسوا اللؤلؤ والمرجان أي : يجعلونهما حلية لهم كما يجوز للنساء . ولا حاجة لما تكلفه جماعة من المفسرين في تأويل قوله : { تَلْبَسُونَهَا } بقولهم : تلبسها نساؤهم . لأنهن من جملتهم ، أو لكونهن يلبسنها لأجلهم . وليس في الشريعة المطهرة ما يقتضي منع الرجال من التحلي باللؤلؤ والمرجان ، ما لم يستعمله على صفة لا يستعمله عليها إلا النساء خاصة . فإن ذلك ممنوع ، ورد الشرع بمنعه ، من جهة كونه تشبهاً بهنّ ، لا من جهة كونه حلية لؤلؤاً أو مرجانا . انتهى . قال السيوطي في ( الإكليل ) : في الآية دليل على إباحة لبس الرجال الجواهر ونحوها . واستدل بها من قال بحنث الحالف لا يلبس حليا بلبس اللؤلؤ ؛ لأنه تعالى سماه ( حليا ) واستدل بها بعضهم على أنه لا زكاة في حلي النساء . فأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر . أنه سئل : هل في حليّ النساء صدقة ؟ قال : لا . وهي كما قال : { حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا } . انتهى . قال في ( فتح البيان ) : وفي هذا الاستدلال نظر . والذي ينبغي التعويل عليه : أن الأصل البراءة من الزكاة حتى يرد الدليل بوجوبها في شيء من أنواع المال فتلزم . وقد ورد في الذهب والفضة ما هو معروف . ولم يرد في الجواهر ، على اختلاف أصنافها ، ما يدل على وجوب الزكاة فيها . وقوله تعالى : { وَتَرَى ٱلْفُلْكَ } أي : السفن { مَوَاخِرَ فِيهِ } أي : جواري جمع ( ماخرة ) بمعنى جارية . وأصل معنى ( المخر ) الشق لأنها تشق الماء بمقدمها { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } عطف على محذوف . أي : لتنتفعوا بذلك { وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } أي : من سعة رزقه ، بركوبها للتجارة { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أي : فتصرفون ما أنعم به عليْكم إلى ما خلق لأجله . قال أبو السعود : ولعل تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر ، من حيث إن فيها قطعاً لمسافة طويلة ، مع أحمال ثقيلة ، في مدة قليلة ، من غير مزاولة أسباب السفر . بل من غير حركة أصلاً . مع أنها في تضاعيف المهالك . وعدم توسيط الفوز بالمطلوب بين الابتغاء والشكر ، للإيذان باستغنائه عن التصريح به وبحصولهما معاً .