Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 107-109)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً } . قال الزمخشري : أمر بالإعراض عنهم واحتقارهم والازدراء بشأنهم ، وأن لا يكترث بهم وبإيمانهم وبامتناعهم عنه . وإنهم إن لم يدخلوا في الإيمان ولم يصدقوا بالقرآن وهم أهل جاهلية وشرك ، فإن خيراً منهم وأفضل ، وهم العلماء الذين قرؤوا الكتب وعلموا ما الوحي وما الشرائع ، قد آمنوا به وصدقوه . وثبت عندهم أنه النبيّ العربيّ الموعود في كتبهم . فإذا تلي عليهم خرّوا سجداً وسبحوا الله تعظيماً لأمره ، ولإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة ، وبشر به من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه . وهو المراد بالوعد في قوله : { إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً } . فإن قلت : { إِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ } تعليل لماذا ؟ قلت : يجوز أن يكون تعليلاً لقوله { آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوۤاْ } ، وأن يكون تعليلا لـ ( قل ) على سبيل التسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتطييب نفسه . كأنه قيل : تسلَّ عن إيمان الجهلة بإيمان العلماء . وعلى الأول : إن لم تؤمنوا به لقد آمن به من هو خير منكم . فإن قلت : ما معنى الخرور للذقن ؟ قلت : السقوط على الوجه . وإنما ذكر الذقن ، وهو مجتمع اللحيين ، لأن الساجد أول ما يلقى به الأرض من وجهه ، الذقن . فإن قلت : حرف الاستعلاء ظاهر المعنى ، إذا قلت خرَّ على وجهه وعلى ذقنه ، فما معنى اللام في ( خَرَّ لذقنه ولوجهه ) قال : فخر صريعاً لليدين وللفم ؟ قلت : معناه جعل ذقنه ووجهه للخرور . واختصه به ؛ لأن اللام للاختصاص . فإن قلت : لم كرر يخرون للأذقان ؟ قلت : لاختلاف الحالين ، وهما خرورهم في حال كونهم ساجدين ، وخرورهم في حال كونهم باكين . انتهى . تنبيه دل نعت هؤلاء ومدحهم بخرورهم باكين ، على استحباب البكاء والتخشع . فإن كل ما حمد فيه من النعوت والصفات التي وصف الله تعالى بها من أحبه من عباده ، يلزم الاتصاف بها . كما أن ما ذَمّ منها من مقته منهم ، يجب اجتنابه . وقد عدّ الإمام الغزاليّ في ( الإحياء ) من آداب ظاهر التلاوة البكاء . قال : البكاء مستحب مع القراءة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اتلوا القرآن وابكوا . فإن لم تبكوا فتباكوا " وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا قرأتم سجدة سبحان ، فلا تعجلوا بالسجود حتى تبكوا ، فإن لم تبك عين أحدكم ، فليبك قلبه . وإنما طريق تكلف البكاء أن يحضر قلبه الحزن . فمن الحزن ينشأ البكاء ، ووجه إحضار الحزن ، أن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد والمواثيق والعهود . ثم يتأمل تقصيره في أوامره وزواجره فيحزن لا محالة ويبكي . فإن لم يحضره حزن وبكاء ، كما يحضر أرباب القلوب الصافية ، فليبك على فقد الحزن والبكاء . فإن ذلك أعظم المصائب . انتهى . وذكر السيوطيّ في ( الإكليل ) : أن الشافعيّ استدل بقوله تعالى : { وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَآ } الآية ، على استحباب هذا الذكر في سجود التلاوة .