Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 60-60)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ } أي : علما ، فلا يخفى عليه شيء من كفرهم وتكذيبهم . ومنه ما جرى منهم ، إثر الرؤيا والإخبار بالشجرة ، من الجحود والهزء واللغو . كما قال سبحانه : { وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } قال الأكثرون : يعني ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الآيات . فلما ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم للناس ، أنكر بعضهم ذلك وكذّبوا . وجعل الله ذلك ثباتاً ويقيناً للمخلصين . فكانت فتنة ، أي : اختباراً وامتحاناً . وتمسك بهذا من جعل الإسراء مناما ، لكون الرؤيا مخصوصة بالمنام . وأجيب بأن قوله تعالى : { إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ } يرده ؛ لأن رؤيا المنام لا يفتتن بها أحد ولا يكذّب . وجاء في اللغة ( الرؤيا بمعنى الرؤية مطلقاً ) وهو معنى حقيقيّ لها . وقيل : إنها حقيقة في رؤيا المنام ورؤيا اليقظة ليلاً . وقد ذكر السهيليّ ؛ أنه ورد في كلام العرب بهذا المعنى . وأنه كالقربى والقربة . وقيل : إنه مجاز ، إما مشاكلة لتسميتهم له رؤيا ، أو جارٍ على زعمهم . أو على التشبيه بها لما فيها من خرق العادة . أو لوقوعها ليلاً . أو لسرعتها . أفاده الشهاب . وروى الطبري عن الحسن في الآية هذه ؛ قال : أسري به صلى الله عليه وسلم عشاء إلى بيت المقدس فصلى فيه وأراه الله ما أراه من الآيات . ثم أصبح بمكة فأخبرهم أنه أسري به إلى بيت المقدس . فقالوا له : يا محمد ! ما شأنك ؟ أمسيت فيه ثم أصبحت فينا تخبرنا أنك أتيت بيت المقدس ؟ فعجبوا من ذلك حتى ارتد بعضهم عن الإسلام . وقال قوم : الآية في رؤياه صلى الله عليه وسلم التي رأى أنه يدخل مكة . فروى الطبريّ عن ابن عباس . قال : يقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُرِيَ أنه دخل مكة هو وأصحابه . وهو يومئذ بالمدينة . فعجل رسول الله صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة . قبل الأجل : فرده المشركون . فقالت أناس : قد رُدَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان حدثنا أنه سيدخلها . فكانت رجعتهُ فتنتهمُ . وذلك عام الحديبية . ثم دخل مكة في العام المقبل . وأنزل الله عزّ وجل : { لَّقَدْ صَدَقَ ٱللَّهُ رَسُولَهُ ٱلرُّءْيَا بِٱلْحَقِّ } [ الفتح : 27 ] ولا يقال : إن السورة مكية وقصة الحديبية بعد الهجرة ، لاحتمال أنه رأى تلك الرؤيا بمكة ، ونزلت عليه هذه الآية . ولكنه ذكرها عام الحديبية ؛ لأنه إذ ذاك بمكة . فعلم أن دخوله بعد خروجه منها . كذا قيل . وذهب بعضهم إلى أن كثيراً من السور المكية ضم إليها آيات مدنية ، كما في ( الإتقان ) . والطبريّ رجح الأول وفاقاً للأكثر . وقد قدمنا مراراً ؛ أن السلف قد يريدون بقولهم : ( نزلت الآية في كذا ) ، أن لفظ الآية مما يشمل ذلك . لا أنه كان سبباً لنزوله حقيقة . وعليه ، فلا إشكال . وقوله تعالى : { وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِي ٱلقُرْآنِ } عطف على الرؤيا ، والأكثرون على أنها شجرة الزقوم المذكورة في سورة الصافات في قوله تعالى : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ } [ الصافات : 62 - 65 ] وفتنتهم فيها ما رواه الطبريّ عن ابن عباس وقتادة ؛ أن أبا جهل قال : زعم صاحبكم هذا - يعني النبيّ صلوات الله عليه - أن النار شجرة ، والنار تأكل الشجر ! فكذبوا بذلك . وفي رواية : أن أبا جهل قال : أيخوفني بشجر الزقوم ؟ ثم دعا بتمر وزبد وجعل يأكل ويقول : تزقموا ، فما نعلم الزقوم غير هذا . والمراد بلعنها في القرآن ، لعن طاعمها فيه ، على أنه مجاز في الإسناد . أو الملعون بمعنى المؤذي لأنها تغلي في البطون كغلي الحميم . فهو إما مجاز مرسل أو استعارة . وقوله تعالى : { وَنُخَوِّفُهُمْ } أي : بذلك وبنظائره من الآيات { فَمَا يَزِيدُهُمْ } أي : التخويف { إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً } أي : تمادياً فيما هم فيه من الضلال والكفر . قال المهايميّ : أي : فلو أرسلنا إليهم الآيات المقترحة ، لقالوا إنه أجلّ من أحاط بأبواب السحر . فلا فائدة في إرسالها سوى تعجيل العذاب الدنيويّ . لكنه ينافي إظهار دينه على الدين كله . ثم أشار تعالى إلى أن هذا الطغيان من اتباع الشيطان . وأنه وحزبه ، لعتوهم وتمردهم عن الحق ، في النار ، بقوله سبحانه : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ … } .