Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 63-65)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ ٱذْهَبْ } أي : امض لشأنك الذي اخترته { فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُوراً } أي : جزاء مكملاً { وَٱسْتَفْزِزْ } أي : استخف وأزعج { مَنِ ٱسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ } أي : أن تستفزه فتخدعه { بِصَوْتِكَ } أي : بدعائك إلى الفساد . وعبّر عن الدعاء بالصوت تحقيراً له حتى كأنه لا معنى له { وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ } أي : صح عليهم . من الجلبة ( بفتحات ) وهي الصياح . و ( الخيل ) الخيالة أي : ركبان الخيل مجازاً . وأصل معنى الخيل الأفراس . ( والرّجل ) اسم جمع للراجل وهو خلاف الفارس ، والمراد الأعوان والأتباع مطلقاً . قال الزمخشريّ : فإن قلت : ما معنى استفزاز إبليس بصوته وإجلابه بخيله ورجله ؟ قلت : هو كلام ورد مورد التمثيل ، مثلت حاله في تسلطه على من يغويه ، بمغوار - بكسر الميم ، الكثير الغارة وهي الحرب والنهب - أوقع على قوم فصوت بهم صوتاً يستفزهم من أماكنهم ، ويقلقهم عن مراكزهم . وأجلب عليهم بجنده من خيالة حتى استأصلهم - أي : فالكلام استعارة تمثيلية مركبة . استعير فيه المجموع والهيئة للمجموع والهيئة . ووجهه ما ذكره من استئصالهم وإهلاكهم ، أو غلبته وتسخيره لهم . وجوز أن يكون التجوز في المفردات تجوزا بصوته عن دعائه إلى الشر بالوسوسة وبخيله ورجله عن كل راكب وماش من أهل العيث والفساد بإغوائه . { وَشَارِكْهُمْ فِي ٱلأَمْوَالِ } أي : بحمله إياهم على إنفاقها في المعاصي وجمعها من حرام والتصرف فيها تحريماً وتحليلاً بما لا يرضى { وَٱلأَوْلادِ } أي : بالتفاخر فيهم وتضليلهم بصبغهم غير صبغة الدين ، وَوَأْدِهِمْ ونحو ذلك مما يعصى الله بسببه { وَعِدْهُمْ } أي : المواعيد الباطلة والأمانيّ الكاذبة من سلامة العاقبة ودوام الغلبة { وَمَا يَعِدُهُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً } وهو تزيين الباطل بزينة الحق { إِنَّ عِبَادِي } أي : المخلصين { لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } أي : تسلط بالإغواء { وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلاً } أي : كفيلا لهم يتوكلون عليه ولا يلجؤون في أمورهم إلا إليه ، وهو كافيهم . وقد أشار القاشانيّ : إلى أن الآية تشير إلى انقسام الناس مع الشيطان على أصناف . وعبارته : تمكن الشيطان من إغواء العباد على أقسام ؛ لأن الاستعدادات متفاوتة . فمن كان ضعيف الاستعداد استفزه . أي : استخفه بصوته ، يكفيه وسوسة وهمس بل هاجس ولمة . ومن كان قويّ الاستعداد ، فإن أخلص استعداده عن شوائب الصفات النفسانية ، أو أخلصه الله تعالى عن شوائب الغيرية فليس له إلى إغوائه سبيل كما قال : { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ } وإلا فإن كان منغمسا في الشواغل الحسية ، غارزاً رأسه في الأمور الدنيوية ، شاركه في أمواله وأولاده ، بأن يحرّضه على إشراكهم بالله في المحبة . بحبهم كحب الله . ويسوّل له التمتع بهم ، والتكاثر والتفاخر بوجودهم . ويمنيه الأمانيّ الكاذبة . ويزين عليه الآمال الفارغة . وإن لم ينغمس ، فإن كان عالماً بصيراً بتسويلاته ، أجلب عليه بخيله ورجله . أي مكر به بأنواع الحيل . وكاده بصنوف الفتن . وأفتى له في تحصيل أنواع الحطام والملاذ بأنها من جملة مصالح المعاش . وغره بالعلم وحمله على الإعجاب . وأمثال ذلك حتى يصير ممن أضله الله على علم . وإن لم يكن عالماً بل عابداً متنسكا ، أغواه بالوعد والتنمية . وغره بالطاعة والتزكية أيسر ما يكون . انتهى . ثم بين تعالى بعضاً من آيات وحدانيته وألوهيته بقوله : { رَّبُّكُمُ ٱلَّذِي يُزْجِي لَكُمُ … } .