Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 17, Ayat: 75-75)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ إِذاً لأذَقْنَاكَ ضِعْفَ ٱلْحَيَاةِ وَضِعْفَ ٱلْمَمَاتِ } أي : ضعف عذاب الحياة وضعف عذاب الممات ، يريد عذاب الدنيا وعذاب الآخرة . ( والضعف ) عبارة عن أن يضم إلى الشيء مثله ، ودل على إضمار العذاب ، وصف العذاب بالضعف في كثير من الآيات . كقوله تعالى : { رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَـٰذَا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً فِي ٱلنَّارِ } [ ص : 61 ] وقال : { لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـٰكِن لاَّ تَعْلَمُونَ } [ الأعراف : 38 ] والسبب في تضعيف العذاب ؛ أن أقسام نعم الله على الأنبياء أكثر . فكانت ذنوبهم أعظم . فكانت العقوبة المستحقة عليها أكثر . ونظيره قوله تعالى : { يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا ٱلْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ } [ الأحزاب : 30 ] . تنبيهات الأول : قال القفال رحمه الله ( بعد ذكره ما روي في سبب نزولها مما قدمناه ) : ويمكن أيضاً تأويلها من غير تقييد بسبب يضاف نزولها فيه ؛ لأن من المعلوم أن المشركين كانوا يسعون في إبطال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأقصى ما يقدرون عليه . فتارة كانوا يقولون : إن عبدت آلهتنا عبدنا إلهك . فأنزل الله تعالى : { قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ * لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } [ الكافرون : 1 - 2 ] وقوله : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ } [ القلم : 9 ] وعرضوا عليه الأموال الكثيرة والنساء الجميلة ليترك ادعاء النبوة . فأنزل الله تعالى : { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ } [ طه : 131 ] ودعوه إلى طرد المؤمنين عن نفسه فأنزل الله تعالى قوله : { وَلاَ تَطْرُدِ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ } [ الأنعام : 52 ] فيجوز أن تكون هذه الآيات نزلت في هذا الباب . وذلك أنهم قصدوا أن يفتنوه عن دينه ، وأن يزيلوه عن منهجه . فبين تعالى أنه يثبته على الدين القويم والمنهج المستقيم . وعلى هذا الطريق ، فلا حاجة في تفسير هذه الآيات ، إلى شيء من تلك الروايات . والله أعلم . الثاني : قال القاضي : معنى قوله تعالى : { وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ … } [ الإسراء : 74 ] الآية ، إنك كنت على صدد الركون إليهم ، لقوة خداعهم وشدة احتيالهم . لكن أدركتك عصمتنا فمنعت أن تقرب من الركون ، فضلاً عن أن تركن إليهم . وهو صريح في أنه عليه الصلاة والسلام ما همّ بإجابتهم ، مع قوة الداعي إليها . ودليل على أن العصمة بتوفيق الله وحفظه . الثالث : قال الزمخشريّ : في ذكر الكيدودة وتقليلها ، مع اتباعها الوعيد الشديد بالعذاب المضاعف في الدارين دليل بين على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظم شأن فاعله وارتفاع منزلته . وفيه دليل على أن أدنى مداهنة للغواة ، مضادة لله وخروج عن ولايته ، وسبب موجب لغضبه ونكاله . فعلى المؤمن ، إذا تلا هذه الآية أن يجثو عندها ويتدبرها . فهي جديرة بالتدبر . وبأن يستشعر الناظرُ فيها الخشيةُ وازدياد التصلب في دين الله . الرابع : جاء في ( حواشي جامع البيان ) ما مثاله بالحرف : من الفوائد الجليلة في هذه الآية ، أنه لا يجوز إبقاء مواضع الشرك ، بعد القدرة على هدمها وإبطالها يوماً . فإنها شعائر الكفر والشرك . وهي أعظم المنكرات فلا يجوز الإقرار عليها مع القدرة البتة . وهكذا حكم المشاهد التي بنيت على القبور التي اتّخذت أوثاناً وطواغيت ، تعبد من دون الله . والأحجار التي تقصد للتعظيم والتبرك والنذور والتقبيل ، لا يجوز إبقاء شيء منها على وجه الأرض ، مع القدرة على إزالته . وكثير منها بمنزلة اللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى ، وأعظم شرك عندها وبها . فإن اللات - على ما نقله ابن خزيمة عن مجاهد - رجل كان يلتّ لهم السويق فمات . فعكفوا على قبره يعبدونه ويعظمونه . ولم يقولوا : إن اللات خلقت السماوات والأرض . بل كان شركهم باللات والعزّى ومناة الثالثة الأخرى ، كشرك أهل الشرك من أرباب المشاهد بعينه ، من النذور لها والشرك بها والتمسح بها وتقبيلها واستلامها . وما طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مجرد مسّ آلهتهم . كما قالوا : نؤمن بك إن تمس آلهتنا . وما التمسوا منه إلا التمتيع باللات سنة من غير عبادة ، فتوعد بهذا الوعيد الشديد والتهديد الأكيد أن لو ركن إليهم فالرزية كل الرزية ما ابتلي به القبوريون من أهل هذا الزمان . فإنهم لم يدعوا شيئاًً مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام ، إلا فعلوه بالقبور . فإنا لله وإنا إليه راجعون . بل كثير منهم ، إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه ، حلف بالله فاجراً ، فإذا قيل له بعد ذلك : احلف بشيخك . أو بمعتقدك الوليّ الفلانيّ تلكأ وأبى واعترف بالحق . وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال : ( ثالث ثلاثة ) فيا علماء الدين ، ويا ملوك المسلمين ، أيّ رزء للإسلام أشد من الكفر ؟ وأيّ بلاء لهذا الدين أضرّ عليه من عبادة غير الله ؟ وأيّ مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه ؟ وأيّ منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البيّن واجباً ؟ فاللهم ! انصر من نصر الحق واهدنا إلى سواء السبيل . انتهى .