Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 17, Ayat: 85-85)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } قال القاشانيّ : أي : الذي يحيا به بدن الإنسان ويدبره { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } أي : ليس من عالم الخلق حتى يمكن تعريفه للظاهريين البدنيين ، الذين يتجاوز إدراكهم الحس والمحسوس ، بالتشبيه ببعض ما شعروا به ، والتوصيف . بل من عالم الأمر ، أي : الإبداع الذي هو عالم الذوات المجردة عن الهيولي ، والجواهر المقدسة عن الشكل واللون والجهة والأين . فلا يمكنكم إدراكه أيها المحجوبون بالكون ، لقصُور إدراككم وعلمكم عنه { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } هو علم المحسوسات . وذلك شيء نزر حقير بالنسبة إلى علم الله تعالى والراسخين في العلم - هذا ما قاله القاشاني - وحاصل الجواب عليه : أن الروح موجود محدَث بأمره تعالى بلا مادة ، وتولد من أصل كأعضاء الجسد ، حتى يمكن تعريفه ببعض مبادئه ، بل هو من عالم الأمر لا من عالم الخلق . فيكون الاقتصار في الجواب على قوله : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } كما اقتصر موسى في جواب قول فرعون : { وَمَا رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 23 ] على قوله : { رَبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } [ الشعراء : 24 ] إعلاماً بأن إدراكه بالكُنْهِ على ما هو عليه لا يعلمه إلا الله تعالى . وأنه شيء بمفارقته يموت الإنسان وبملازمته له يبقى . كما أومأ إليه قوله تعالى : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : علماً قليلاً تستفيدونه من طرق الحواس . وهو هذا القدر الإجماليّ . قال الشهاب . والسؤال - على هذا - عن حقيقتها . والجواب إجماليّ بأنها من المبدعات من غير مادة ، ولذا قيل : إنه من الأسلوب الحكيم . كما في قوله : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [ البقرة : 189 ] إشارة إلى أن حقيقتها لا تعلم ، وإنما يعلم منها هذا المقدار . فالمراد بـ ( الأمر ) على هذا التفسير ( قول كن ) ولذا قالوا لمثله : عالم الأمر . انتهى . قال أبو السعود عليه الرحمة : وليس هذا من قبيل قوله سبحانه : { إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [ يس : 82 ] فإن ذلك عبارة عن سرعة التكوين . سواء كان الكائن من عالم الأمر أو من عالم الخلق . بل إنه من الإبداعيات الكائنة بمحض الأمر التكوينيّ من غير تحصل من مادة . وحكى ، عليه الرحمة ، قولاً آخر وهو : أن الأمر بمعنى الشأن . قال : والإضافة للاختصاص العلمي لا الإيجاديّ ، لاشتراك الكل فيه . وفيها من تشريف المضاف ما لا يخفى . كما في الإضافة الثانية من تشريف المضاف إليه . أي : هو من جنس ما استأثر الله بعلمه من الأسرار الخفية التي لا يكاد يحوم حولها عقول البشر . وعليه ، فـ ( من ) بيانية أو تبعيضية . ويكون نهياً لهم عن السؤال عنها ، وتركا للبيان . وهذا رأي كثيرين . أمسكوا عن الخوض فيها ، وقالوا : إنها شيء استأثر الله بعلمه ولم يطلع أحدا من خلقه . فلا يجوز البحث عنها بأكثر من أنها شيء موجود ، بل غلا بعضهم وقال : إن الإفاضة في بحث الروح بدعة في الدين . إذا لم يبينه الله لرسوله بأكثر مما في الآية . فالاشتغال بالتفتيش عنه غلوٌّ فيما لم يرد به قرآن ولم يقم عليه برهان ، وما كان كذلك فهو عناد . وأجاب الخائضون في بحثها ؛ بأن الآية لا يدل معناها على ما ذكر دلالة قطعية ، ولا دلالة فيها على المنع من الخوض فيها ، ولا على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلمها . وغاية الأمر أنه أمر بترك الجواب عنها تفصيلاً . إما لأن الإمساك عن ذلك كان عند اليهود السائلين عنها ، من دلائل نبوّته صلى الله عليه وسلم ، أو لأن سؤالهم تعنتاً . فإنها تطلق على معان : منها الراحة وبرد النسيم . وعلى جبريل والقرآن وعيسى عليه السلام والحياة والقلب والرحمة وغير ذلك . فأضمروا على أنه إذا أجاب بأحد هذه الأمور ، قالوا : لم نرده ، وإنما أردنا كذا . ثم الأقاويل فيها من الحكماء والعلماء الأقدمين مختلفة . ولا يتم الجواب في محل الخلاف . فأتي بالجواب مجملاً على وجه يصدق على كلٍّ من ذلك مرموزاً ، ليعلمه العلماء بالله . واقتضت المصلحة العامة منع الكلام فيه لغيرهم ؛ لأن الأفهام لا تحتمله . خصوصاً على طريقة الحكماء إذ من غلب على طبعه الجمود لا يقبله ولا يصدق به في صفة الباري . فكيف يصدق به في حق الروح الإنسانيّ . بل قال بعض المدققين : إن في الآية الجواب ببيان حقيقتها ، وأنها من إبداعاته الكائنة بتكوينه ، من غير سبق مادة - وهو ما ذكرناه أولا - وفي الجواب بذلك ما فيه الكفاية لذوي البصائر والدراية . ومقنع لمن كان له في النزاع ، إذا فُصلَ ، مطمع . وقد استحسن بعضهم هذا الجواب وقال مذيلاً له : فيكون قوله : { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } على أن السؤال عن حقيقتها - مطابقاً . إلا أنه إجماليّ . أي من الممكنات التي يمكن الوقوف على حقائقها ، وإن كان بإعمال روية وإيقاظ فكر كباقي عالم الأمر . وعلى أن السؤال عن قدمها وحدوثها كذلك . إلا أنه تفصيليّ . وأيا ما كان ، فلم يترك بيانها . ولو كانت مما لا سبيل إلى معرفته لقيل : ( قُل إِنَّمَا عِلمها عِندَ رَبّي ) كما قيل في الساعة ، أو نحو ذلك . بل لو لم يكن السبيل لمعرفته ، ولو بوجه ما ، متيسّراً لكثير من الناس ، لم يكن لأمره بالتفكر فيها . والتّبصر في أمرها ، للاستدلال بها عليه ، والتوصل بواسطة معرفتها إليه ، الذي هو الغاية القصوى والثمرة العظمى - من فائدة . بل كان عبثاً . فدل قوله تعالى : { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ فِيۤ أَنفُسِهِمْ } [ الروم : 8 ] وقوله : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] ونحو ذلك ، أنها أمر تدركه العقول ، وبه يكون إليه تعالى الوصول . ثم إن الذين خاضوا في البحث عنها ، أُثِرَت عنهم أقوال شتى . وقد أفردت لذلك تآليف قديمة وحديثة ، والذي يهمنا معرفته ما عول عليه الأئمة المدققون ، الذين نقبوا عن أقوال المتقدمين ، ونقدوها بمحك الكتاب والسنة ، فنبذوا ما يخالفها وتمسكوا بما يوافقها . فمنهم الإمام ابن حزم . قال رحمه الله في كتابه ( الملل والنحل ) بعد سرد مذاهب شتى : وذهب سائر أهل الإسلام والملل المقرّة بالمعاد ، إلى أن النفس جسم طويل عريض عميق ذات مكان . عاقلة مميزة مصرّفة للجسد . قال : وبهذا نقول . والنفس والروح اسمان لمسمى واحد ، ومعناهما واحد . ثم قال : وأما من ذهب إلى أن النفس ليست جسما ، فقولٌ يبطل بالقرآن والسنة وإجماع الأمة . فأما القرآن ، فإن الله عز وجل قال : { هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ } [ يونس : 30 ] وقال تعالى : { ٱلْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَـسَبَتْ لاَ ظُلْمَ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 17 ] وقال تعالى { كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } [ الطور : 21 ] فصح أن النفس هي الفعالة الكاسبة المجزية المخطئة . وقال تعالى : { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } [ يوسف : 53 ] { وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ } [ غافر : 46 ] وقال تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ } [ البقرة : 154 ] وقال تعالى : { وَلاَ تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ آل عمران : 169 - 170 ] فصح أن الأنفس ، منها ما يعرض على النار قبل يوم القيامة ، فيعذب . ومنها ما يرزق وينعم فرحاً ، ويكون مسروراً قبل يوم القيامة . ولا شك أن أجساد آل فرعون وأجساد المقتولين في سبيل الله ، قد تقطعت أوصالها وأكلها السباع والطير وحيوان الماء . فصحّ أن الأنفس منقولة من مكان إلى مكان . ولا شك في أن العرَض لا يلقى العذاب ولا يحسّ ، فليست عرَضا . وصح أنها تنتقل في الأماكن قائمة بنفسها ، وهذه صفة الجسم لا صفة الجوهر عند القائل به ، فصح ، ضرورةً ، أنها جسم . وأما من السنن فقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة " وقوله صلى الله عليه وسلم : إنه " رأى نَسَمَ بني آدم عند سماءِ الدنيا عن يمين آدم ويساره " فصح أن الأنفس مرئيّة في أماكنها ، وقوله عليه السلام : " إن نفس المؤمن إذا قبضت ، عرج بها إلى السماء وفعل بها كذا . ونفس الكافر إذا قبضت فعل بها كذا " فصح أنها معذبة ومنعمة ومنقولة في الأماكن ، وهذه صفة الأجسام ضرورة . وأما من الإجماع ، فلا اختلاف بين أحد من أهل الإسلام في أن أنفس العباد منقولة بعد خروجها من الأجساد ، إلى نعيم أو إلى صنوف ضيق وعذاب . وهذه صفة الأجسام . ثم قال : ومعنى قول الله تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي } إنما هو لأن الجسد مخلوق من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم عظماً ثم لحما ثم أمشاجاً . وليس الروح كذلك . وإنما قال الله تعالى آمِراً له بالكون ( كن فكان ) . فصح أن النفس والروح والنسمة أسماء مترادفة لمعنى واحد ، وقد يقع الروح أيضاً على غير هذا . فجبريل عليه السلام الروح الأمين . والقرآن روح من عند الله . وقال ابن حزم أيضاً ، قبل ذلك ، في بحث عذاب القبر : والذي نقول به في مستقر الأرواح ، هو ما قاله الله تعالى . نبيه صلى الله عليه وسلم لا نتعداه . فهو البرهان الواضح وهو أن الله تعالى قال : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } [ الأعراف : 172 ] وقال تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُوۤاْ } [ الأعراف : 11 ] فصح أن الله عز وجل خلق الأرواح جملة ، وهي الأنفس ، وكذلك أخبر عليه السلام : " إن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف " - وهي العاقلة ، الحساسة - وأخذ عز وجل عهدها وشهادتها - وهي مخلوقة مصورة عاقلة ، قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم ، على جميعهم السلام . وقبل أن يدخلها في الأجساد . والأجساد يومئذ تراب وماء . ثم أقرّها تعالى حيث شاء . لأن الله تعالى ذكر ذلك بلفظة ( ثُمَّ ) التي توجب التعقيب والمهلة . ثم أقرها عز وجل حيث شاء . وهو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت . لا تزال يبعث منها الجملة ، بعد الجملة ، فينفخها في الأجساد المتولدة من المنيّ ، المنحدر من أصلاب الرجال وأرحام النساء . كما قال تعالى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ } [ القيامة : 37 - 38 ] وقال عز وجل : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا ٱلنُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا ٱلْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا ٱلْمُضْغَةَ عِظَاماً } الآية [ المؤمنون : 12 - 14 ] وكذلك أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أنه " يجمع خلق ابن آدم في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملكَ فينفخ فيه الروح " فيبلوهم الله عز وجل في الدنيا كما شاء . ثم يتوفاها فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به عند سماء الدنيا : أرواح أهل السعادة عن يمين آدم عليه الصلاة والسلام ، وأرواح أهل الشقاوة عن يساره عليه السلام . وذلك عند منقطع العناصر ، وتعجل أرواح الأنبياء عليهم السلام وأرواح الشهداء إلى الجنة . وقد ذكر محمد بن نصر المروزيّ عن إسحاق بن راهويه ؛ أنه ذكر هذا القول الذي قلنا بعينه ، وقال : على هذا أجمع أهل العلم . ثم قال ابن حزم : ولا تزال الأرواح هنالك ، حتى يتم عدد الأرواح كلها بنفخها في أجسادها ، ثم برجوعها إلى البرزخ المذكور . فتقوم الساعة ، ويعيد عز وجل الأرواح ثانية إلى الأجساد . وهي الحياة الثانية . ويحاسب الخلق : فريق في الجنة وفريق في السعير ، مخلدين أبداً . انتهى . فصل ومنهم شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية ، عليه الرحمة ، قال في : ( تفسير سورة الإخلاص ) بعد أن ذكر نزاع المتكلمين المتفلسفة في الملائكة ، هل هي متحيزة أم لا ؟ وكذلك نزاعهم في روح الإنسان التي تفارقه بالموت ، على قول الجمهور الذين يقولون : هي عين قائمة بنفسها ليست عرضاً من أعراض البدن كالحياة وغيرها . ولا جزءاً من أجزاء البدن كالهواء الخارج منه . فإن كثيراً من المتكلمين زعموا أنها عرض قائم بالبدن ، أو جزء من أجزاء البدن . لكن هذا مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف والخلف . ولقول جماهير العقلاء من جميع الأمم . ومخالف للأدلة ، وهذا مما استطال به الفلاسفة على كثير من أهل الكلام . قال القاضي أبو بكر : أكثر المتكلمين على أن الروح عرض من الأعراض . وبهذا نقول ، إذا لم يعن بالروح النفس ، فإنه قال : الروح الكائن في الجسد ضربان : أحدهما الحياة القائمة به والآخر النَفس . والنَفس ريح ينبثّ به . والمراد بالنفس ، ما يخرج بنفس التنفس من أجزاء الهواء المتحلل من المسامّ . وهذا قول الإسفرائينيّ وغيره . وقال ابن فورك : هو ما يجري في تجاويف الأعضاء . وأبو المعالي خالف هؤلاء وأحسن في مخالفتهم فقال : إن الروح أجسام لطيفة مشابكة للأجسام المحسوسة . أجرى الله العادة بحياة الأجساد ما استمرت مشابكتُها لها . فإذا فارقتها تعقب الموت الحياة في استمرار العادة . ومذهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر سلف الأمة وأئمة السنة ، وأن الروح عين قائمة بنفسها . تفارق البدن وتنعم ، وتعذب . ليست هي البدن ، ولا جزءاً من أجزائه كالنَفس المذكور . ثم الذين قالوا : إنها عين ، تنازعوا ، هل هي جسم متحيز ؟ على قولين : كتنازعهم في الملائكة . فالمتكلمون منهم يقولون : جسم . والمتفلسفة يقولون : جوهر عقليّ ليس بجسم . وأصل تسميتهم المجردات والمفارقات ، هو مأخوذ من نفس الإنسان . فإنها لما كانت تفارق بدنه بالموت ، وتتجرد عنه ، سموها مفارقة مجردة . ثم أثبتوا ما أثبتوه من العقول والنفوس وسموها مفارقات ومجردات . لمفارقتها المادة التي هي عندهم الجسم . وهذه المفارقات عندهم ما لا يكون جسماً ولا قائما بجسم . لكن النفس متعلقة بالجسم تعلق التدبير . والعقلُ لا تعلق له بالأجسام أصلاً . ولا ريب أن جماهير العقلاء على إثبات الفرق بين البدن والروح التي تفارق . والجمهور يسمون ذلك روحاً وهذا جسماً - لكن لفظ الجسم في اللغة ليس هو الجسم في اصطلاح المتكلمين . بل الجسم هو الجسد . وهو الجسم الغليظ ، أو غِلَظُه . والروح ليست مثل البدن في الغلظ والكثافة ولذلك لا تسمى جسماً . فمن جعل الملائكة والأرواح جسماً بالمعنى اللغويّ ، فما أصاب في ذلك . وأما أهل الاصطلاح من المتكلمة والمتفلسفة ، فيجعلون مسمى الجسم أعم من ذلك . وهو ما أمكنت الإشارة الحسّية إليه . وما قيل إنه هنا وهناك . وما قَبِل الأبعاد الثلاثة ونحو ذلك . ثم قال عليه الرحمة : وما يقوله هؤلاء المتفلسفة في النفس الناطقة ، من أنها لا يشار إليها ولا توصف بحركة ولا سكون ، ولا صعود ولا نزول ، وليس داخل العالم ولا خارجه - هو كلام باطل عند جماهير العقلاء . ولا سيما من يقول منهم ، كابن سينا وأمثاله : إنها لا تعرف شيئاً من الأمور الجزئية . وإنما تعرف الأمور الكلية . فإن هذا مكابرة ظاهرة . فإنها تعرف بدنها وتعرف كل ما تراه بالبدن وتشمه وتسمعه وتذوقه وتقصده وتأمر به وتحبه وتكرهه ، إلى غير ذلك مما تتصرف فيه بعلمها وعملها . فكيف يقال : إنها لا تعرف الأمور المعينة وإنما تعرف أموراً كلية ! ؟ وكذلك قولهم : إن تعلقها بالبدن ليس إلا مجرد تعلق التدبير والتصريف كتدبير الملك لمملكته - من أفسد الكلام . فإن الملك يدبر أمر مملكته ، فيأمر وينهى . ولكن لا يصرفهم هو بمشيئته وقدرته ، إن لم يتحركوا هم بإرادتهم وقدرتهم . والملك لا يلتذ بلذة أحدهم ولا يتألم بتألمه ، وليس كذلك الروح والبدن ، بل قد جعل الله بينهما من الاتحاد والائتلاف ما لا يعرف له نظير يقاس به . ولكن دخول الروح فيه ليس هو مماثلا لدخول شيء من الأجسام المشهودة . فليس دخولها فيه كدخول الماء ونحوه من المائعات في الأوعية . فإن هذه إنما تلاقي السطح الداخل في الأوعية لا بطونها ولا ظهورها . وإنما يلاقي الأوعية منها أطرافها دون أوساطها . وليس كذلك الروح والبدن . بل الروح متعلقة بجميع أجزاء البدن باطنه وظاهره . وكذلك دخولها فيها ليس كدخول الطعام والشراب في بدن الآكل . فإن ذلك له مجار معروفة ، وهو مستحيل إلى غير ذلك من صفاته . ولا جريانها في البدن كجريان الدم . فإن الدم يكون في بعض البدن دون بعض . ففي الجملة كل ما يذكر من النظائر لا يكون كل شيء منه متعلقا بالآخر . بخلاف الروح والبدن . لكن هي مع هذا في البدن قد ولجت فيه . وتخرج منه وقت الموت . وتسلّ منه شيئاً فشيئاً . فتخرج من البدن شيئاً فشيئاً . لا تفارقه كما يفارق الملك مدينته التي يدبّرها . والناس لما لم يشهدوا لها نظيراً ، عسر عليهم التعبير عن حقيقتها . وهذا تنبيه لهم على رب العالمين حيث لم يعرفوا حقيقته ، ولا تصوروا كيف هو سبحانه وتعالى . وإن ما يضاف إليه من صفاته هو على ما يليق به جل جلاله . فإن الروح ، التي هي بعض عبيده ، توصف بأنها تعرج إذا نام الإنسان . وتسجد تحت العرش . وهي مع هذا في بدن صاحبها لم تفارقه بالكلية . والإنسان ، في نومه ، يحس بتصرفات روحه تصرفات تؤثر في بدنه . فهذا الصعود الذي توصف به الروح لا يماثل صعود المشهودات . فإنها إذا صعدت إلى مكان فارقت الأول بالكلية . وحركتها إلى العلوّ حركة انتقال من مكان . وحركة الروح بعروجها وسجودها ليس كذلك . انتهى . فصل وكتب بعض المنقبين عن مباحث المدققين العصريين في الروح ما مثاله : إن نظرية الروحيين التي يستدلون عليها في أوربا بالحسّ في هذه الأيام ، هي أن للإنسان روحاً هبطت عليه من الملأ الأعلى . لا يصل العقل إلى إدراك كنهها . وإنها متصلة بهذا الجسد الطينيّ ، بواسطة هيكل لطيف شفاف على شكل الجسد تماماً . ولكنه ليس من طبيعته ولا محكوماً بقوانينه . وإنه كغلاف للسرّ الإلهي المسمى روحاً . ولعل في هذا ما يشبه قول الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه عن الروح ( هي صورة كالجسد ) ويقولون : إن الروح وغلافها هذا يخرجان من الجسد عند حصول الموت للشخص ، إلى عالم غير هذا العالم . ولكنهما لا ينفصلان عنه كل الانفصال ، بل أرواح الموتى منتشرة حولنا في كل جهة . ولكنا لا نراها بأعيننا ، لعدم استعداد أعيننا لِذَلِكَ . كما أنها ليست مستعدة لرؤية أشعة ( رونتجن ) مع أنها موجودة كما تدل عليها الآلة التي صنعها له . وقد دخلت تطبيقاتها في علم الطب وأفادت العلم الطبيعيّ فائدة كبرى . ولكن يوجد أشخاص فيهم استعداد خاص . به يرون الأرواح رائحة غادية ، وعن أيمانهم وعن شمائلهم ، رؤية حقيقية . انتهى ملخصاً . تنبيه جميع ما قدمناه ، بناء على أن المراد بالروح في الآية روح الإنسان . قال ابن القيم في كتاب ( الروح ) : وفي ذلك خلاف بين السلف والخلف . وأكثر السلف ، بل كلهم ، على أن الروح المسؤول عنها في الآية ليست أرواح بني آدم بل هو الروح الذي أخبر الله عنه في كتابه ، أنه يقوم يوم القيامة مع الملائكة ، وهو ملَك عظيم . وقد ثبت في الصحيح عن عبد الله قال : بينا أنا أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّة المدينة ، وهو متكئ على عسيب ، فمررنا على نفر من اليهود . فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح ؟ وقال بعضهم : لا تسألوه عسى أن يخبر فيه بشيء تكرهونه . وقال بعضهم : نسأله . فقام رجل فقال : يا أبا القاسم ، ما الروح ؟ فسكت عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت . فلما تجلى عنه قال : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } الآية ، ومعلوم أنهم إنما سألوه عن أمر لا يعرف إلا بالوحي . وذلك هو الروح الذي عند الله لا يعلمها الناس . وأما أرواح بني آدم فليست من الغيب . وقد تكلم فيها طوائف الناس من أهل الملل وغيرهم . فلم يكن الجواب عنها من أعلام النبوة . فإن قيل : فقد روى أبو الشيخ عن السدّيّ عن أبي مالك ، عن ابن عباس قال : بعثت قريش عقبة بن أبي معيط وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة إلى يهود المدينة ، يسألونهم عن النبي صلى الله عليه وسلم . فقالوا لهم : إنه قد خرج فينا رجل يزعم أنه نبيّ . وليس على ديننا ، ولا على دينكم . قالوا : فمن تبعه ؟ قالوا : سفلتنا والضعفاء والعبيد ومن لا خير فيه . وأما أشراف قومه فلم يتبعوه ، فقالوا : إنه قد أظلَّ زمانُ نبيٍّ يخرج ، وهو على ما تصفون من أمر هذا الرجل ، فأتوه فاسألوه عن ثلاث خصال فأمركم بهن . فإن أخبركم بهن فهو نبيّ صادق . وإن لم يخبركم بهن فهو كذَّاب . سلوه عن الروح التي نفخ الله تعالى في آدم . فإن قال لكم : هي من الله ، فقولوا : كيف يعذب الله في النار شيئاً هو منه ؟ فسأل جبريل عنها فأنزل الله الآية . يقول : هو خلق من خلق الله ليس هو من الله . قيل : مثل هذا الإسناد لا يحتج به . فإنه من تفسير السديّ عن أبي مالك . وفيه أشياء منكرة . وسياق هذه القصة في السؤال ، من الصحاح والمسانيد ، كلها تخالف سياق السدّيّ . وقد رواها الأعمش والمغيرة عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : مر النبيّ صلى الله عليه وسلم على ملأ من اليهود . وأنا أمشي معه . فسألوه عن الروح ، قال : فسكت . فظننت أنه يوحى إليه . فنزلت : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } يعني اليهود { قُلِ ٱلرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي … } الآية . وكذلك هي في قراءة عبد الله . فقالوا كذلك نجد مثله في التوراة أن الروح من أمر الله عز وجل . رواه جرير بن عبد الحميد وغيره عن المغيرة . وروى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : أتت اليهود إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فسألوه عن الروح . فلم يجبهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بشيء . فأنزل الله عز وجل الآية . فهذا يدل على ضعف حديث السدّي ، وأن السؤال كان بمكة . فإن هذا الحديث وحديث ابن مسعود صريح أن السؤال كان بالمدينة مباشرة من اليهود . ولو كان قد تقدم السؤال والجواب بمكة ، لم يسكت النبي صلى الله عليه وسلم ، ولبادر إلى جوابهم بما تقدم من إعلام الله له وما أنزل الله عليه . وقد اضطربت الروايات عن ابن عباس في تفسير هذه الآية أعظم اضطراب . فإما أن تكون من قبل الرواة ، أو تكون أقواله قد اضطربت فيها . ثم ساق ابن القيم الروايات عنه مسندة . ثم قال : والروح في القرآن على عدة أوجه : أحدها : الوحي ، كقوله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وقوله : { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ غافر : 15 ] وسمى الوحي روحاً لما يحصل به من حياة القلوب والأرواح . الثاني : القوة والثبات والنصرة التي يؤيد بها من شاء من عباده المؤمنين ، كما قال : { أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ } [ المجادلة : 22 ] . الثالث : جبريل كقوله تعالى : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 - 194 ] وقال تعالى : { قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } [ البقرة : 97 ] وهو روح القدس ، قال تعالى : { قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ ٱلْقُدُسِ } [ النحل : 102 ] . الرابع : الروح التي سأل عنها اليهود فأجيبوا بأنها من أمر الله . وقد قيل إنها الروح المذكورة في قوله تعالى : { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } [ النبأ : 38 ] وإنها الروح المذكورة في قوله : { تَنَزَّلُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم } [ القدر : 4 ] . الخامس : المسيح عيسى ابن مريم . قال تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمَسِيحُ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ ٱللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ } [ النساء : 171 ] أما أرواح بني آدم فلم تقع تسميتها بالقرآن إلا بالنفس ، قال تعالى : { يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } [ الفجر : 27 ] وقال : { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } [ القيامة : 2 ] وقال : { إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ } [ يوسف : 53 ] وقال : { أَخْرِجُوۤاْ أَنْفُسَكُمُ } [ الأنعام : 93 ] وقال : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [ الشمس : 7 - 8 ] وقال : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } [ آل عمران : 185 ] . وأما في السنة فجاءت بلفظ النفس والروح . انتهى . قال ابن كثير : رواية عبد الله في الصحيح المتقدمة ، تقتضي فيما يظهر ببادئ الرأي ، أن هذه الآية مدنية . وأنها إنما أنزلت حين سأله اليهود عن ذلك بالمدينة . مع أن السورة كلها مكية . وقد يجاب عن هذا بأنه قد تكون نزلت عليه بالمدينة مرة ثانية . كما نزلت عليه بمكة قبل ذلك . أو إنه نزل عليه الوحي بأنه يجيبهم عما سألوه بالآية المتقدم إنزالها عليه ، وهي هذه الآية { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } انتهى . وقد روى ابن جرير عن قتادة : أن الروح في الآية هو جبريل عليه السلام . وحكاه عن ابن عباس . أقول : الذي أراه متعينا في الآية ، لسابقها ولاحقها ، أن المراد بالروح الوحي بالقرآن ، وهو قريب من قول قتادة . ووجه تعينه أن هذه الآية في سياق ذكر القرآن وتنزيله والمنّة بكونه شفاء ورحمة ، وقد سمى تعالى الوحي بالقرآن روحاً : قال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] وقال تعالى : { يُلْقِي ٱلرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ } [ غافر : 15 ] فكانوا إذا سمعوا الروح ، وصدعوا بالإيمان به ، يتعنتون في السؤال عنه ، استبعاداً لأن يكون من لدنه سبحانه ، ولأن يكون بشر مثله مبعوثاً بأمره تعالى أن يبين لهم أنه وحي أوحاه الله ، وأنه روح من لدنه ، وإلقاء من أمره . ونظير هذه الآية قوله تعالى : { وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّيۤ } [ يونس : 53 ] وقوله تعالى : { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ * عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ * ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } [ النبأ : 1 - 3 ] أي : بعضهم ينكره وبعضهم يتردد في صحته . وذلك لأنهم قوم جاهليون ، لا عهد لهم بالعلوم والمعارف ، فضلاً عن الوحي وخصائص النبوة ، للأميّة والجهالة الفاشيتين فيهم . كما أشير إليه بقوله تعالى : { وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً } أي : مما تناله مشاعركم وتصل إليه فطنكم . وما هو في جنب معلومات لا تحصى ، إلا كالقطرة من البحر والذرة من الكثيب . والقاعدة أن القرآن متجاوب الأطراف ، يفسر بعضه بعضاً . وجميع ما ذكره المتقدمون ، غير ما ذكرناه ، جريٌ مع ما يحتمله نظم الآية الكريمة . وكذا رواية ابن مسعود أنه أجيب بها اليهود ؛ لأنها لما كان لها وجوه من المعاني ، ومنها ما سألوا عنه ، ألقموا بها . والله سبحانه وتعالى أعلم . ثم أشار تعالى إلى نعمته فيما أوحاه من هذا التنزيل والهداية به ، بقوله سبحانه : { وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِٱلَّذِي … } .