Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 109-109)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } أي : لكتابتها { لَنَفِدَ ٱلْبَحْرُ } أي : مع كثرته ولم يبق منه شيء { قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي } أي : لكونها غير متناهية ، فلا تنفد نفاد المتناهي . قال أبو السعود : وفي إضافة ( الكلمات ) إلى اسم الرب ، المضاف إلى ضميره صلى الله عليه وسلم في الموضعين ، من تفخيم المضاف وتشريف المضاف إليه ما لا يخفى . وإظهار { ٱلْبَحْرُ } و ( الكلمات ) في موضع الإضمار ، لزيادة التقرير . وقوله تعالى : { وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً } أي : بمثل البحر عوناً وزيادة ، لنفد أيضاً . قال أبو السعود : كلام من جهته تعالى غير داخل في الكلام الملقن ، جيء به لتحقيق مضمونه ، وتصديق مدلوله مع زيادة مبالغة وتأكيد ، وهذا كقوله تعالى : { وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [ لقمان : 27 ] . تنبيه دلت الآية على أنه تعالى لم يزل متكلماً إذا شاء وكما شاء . وأن كلماته لا نهاية لها . وقد قال الإمام أحمد رحمه الله وغيره من الأئمة : لم يزل الله متكلماً إذا شاء وهو يتكلم بمشيئته وقدرته يتكلم بشيء بعد شيء . وهو مذهب سلف الأمة وأئمة السنة ، وكثير من أهل الكلام ، كالهاشمية والكرامية وأصحاب أبي معاذ . وطوائف غير هؤلاء يقولون : إن الكلام صفة ذات وفعل ، وهو يتكلم بمشيئته وقدرته كلاماً قائما بذاته . وهذا هو المعقول من صفة الكلام لكل متكلم . فكل حيّ وصف بالكلام كالملائكة والبشر والجن وغيرهم ، فكلامهم لا بد أن يقوم بأنفسهم ، وهم يتكلمون بمشيئتهم وقدرتهم . والكلام صفة كمال لا صفة نقص . ومن تكلم بمشيئة أكمل ممن لا يتكلم بمشيئة . فكيف يتصف المخلوق بصفات الكمال دون الخالق ؟ وأما الجهمية والمعتزلة فيقولون : ليس له كلام قائم بذاته . بل كلامه مخلوق منفصل عنه . والكلابية يقولون : هو متكلم بكلام ليس له عليه قدرة ، ولا يكون بمشيئته . والأشعرية يقولون : إن الكلام معنى واحد لا يتبعض ولا يتعدد . وكل هذه أقوال باطلة مخالفة للكتاب والسنة ، وإجماع سلف الأمة . مبتدعة مبنية على أصل واحد . وهو قولهم : إن الرب لا تقوم به الأمور الاختيارية . فلا يقوم به كلام ولا فعل باختياره ومشيئته . وهو أصل باطل مخالف للنقل والعقل والقرآن الكريم يدل على بطلانه في أكثر من مائة موضع ، وأما الأحاديث الصحيحة فلا يمكن ضبطها في هذا الباب . والصواب في هذا الباب وغيره هو مذهب سلف الأمة وأئمتها ؟ أنه سبحانه لم يزل متكلما إذا شاء وأنه يتكلم بمشيئته وقدرته ، وأن كلماته لا نهاية لها ، وأنه نادى موسى بصوت سمعه موسى وإنما ناداه حين أتى ، لم يناده قبل ذلك . وأن صوت الرب لا يماثل أصوات العباد ، كما أن علمه لا يماثل علمهم وقدرته لا تماثل قدرتهم . وأنه سبحانه بائن عن مخلوقاته بذاته وصفاته . ليس في مخلوقاته شيء من ذاته وصفاته القائمة بذاته . ولا في ذاته شيء من مخلوقاته . وأن أقوال أهل التعطيل والاتحاد ، الذين عطلوا الذات والصفات أو الكلام أو الأفعال ، باطلة . وأقوال أهل الحلول الذين يقولون بالحلول في الذات والصفات ، باطلة . هذا ما أفاده تقي الدين ابن تيمية عليه الرحمة والرضوان . وقال أيضا في قوله تعالى : { قُل لَّوْ كَانَ ٱلْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي } الآية : كلمات الله لا نهاية لها . وهذا تسلسل جائز كالتسلسل في المستقبل . فإن نعيم الجنة دائم لا نفاد له فما من شيء إلا وبعده شيء بلا نهاية .