Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 27-27)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ } أي : بتبليغ ما فيه . ومنه ما أوحي إليك من نبأ الفتية ، فإنه الحق الذي لا يحتاج معه إلى استفتاء فيه . قال القاشانيّ : يجوز أن تكون { مِن } لابتداء الغاية . و { كِتَابِ } هو اللوح الأول المشتمل على كل العلوم الذي منه أوحي إلى من أوحي إليه ، وأن تكون بياناً لما أوحي { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } أي : لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل . قال القاشانيّ : ( كلماته ) التي هي أصول التوحيد والعدل وأنواعهما . وقصده دفع ما يرد من وقوع نسخ بعض الشرائع السابقة باللاحقة وتبديلها بها . فأشار إلى أن النسخ إنما هو في الفروع لا الأصول . والأظهر في معنى الآية ؛ أنه لا أحد سواه يبدل حكمه كقوله : { لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ } [ الرعد : 41 ] وأما هو سبحانه فهو فعّال لما يريد { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } أي : ملجأً . وذهب ابن جرير في تفسير هذه الآية مذهباً دقيقاً قال : يقول تعالى لنبيه : واتبع ما أنزل إليك من كتاب ربك هذا ، ولا تتركنّ تلاوته واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه والعمل بحلاله وحرامه ، فتكون من الهالكين . وذلك أن مصير من خالفه وترك اتباعه يوم القيامة إلى جهنم { لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } يقول لا مغير لما أوعد بكلماته التي أنزلها عليك ، أهلَ معاصيه والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك . وقوله : { وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } يقول وإن أنت لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فتتبعه وتأتمّ به ، فنالك وعيد الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده ، لن تجد من دون الله موئلاً تئل إليه ، ومعدلاً تعدل عنه إليه ؛ لأن قدرة الله محيطة بك وبجميع خلقه , لا يقدر أحد منهم على الهروب من أمر أراد به . انتهى . تنبيه لهؤلاء الفتية أصحاب الكهف ذكر في تواريخ المسيحيين وعيد سنويّ يقام تذكاراًَ لهم ، في اليوم السابع والعشرين من شهر تموز . لكونهم اضطهدوا من قبل الأمراء اليونانيين ؛ لإيمانهم بالله تعالى وحده ودخولهم في الملة المسيحية ورفضهم الوثنية التي كانت عليها اليونان . وقد رأيت في كتاب ( الكنز الثمين في أخبار القديسين ) ترجمة عن أحوالهم واسعة تحت عنوان ( فيما يخص السبعة القديسين الشهداء الذين من أفسس ) نقتطف منها ما يأتي ، دحضاً لدعوى من يفتري أن نبأهم لا يعرف أصلاً ، كما قرأته في بعض كتب الملحدين . قال صاحب الترجمة : هؤلاء الشهداء السبعة كانوا إخوة بالجسد . وأسماؤهم : مكسيميانوس ومالخوس . ومرتينيانوس . وديونيسيوس . ويوحنا . وسارابيون . ثم قسطنطين . هؤلاء الشباب قربوا حياتهم ضحية من أجل المسيح , بالقرب من مدينة أفسس ، نحو سنة ( 252 ) مسيحية . في زمن الاضطهاد القاسي الذي صنعه ضد المسيحيين ، الملك داكيوس . وقد أَجَلّهم المسيحيون كشهداء حقيقيين . فيقام لهم في الكنائس مدائح تنشر فيها صفاتهم الفاضلة يوم استشهادهم ثمة ، في اليوم الرابع من شهر آب المختص بتذكار الأعجوبة التي بواسطتها قد ظهرت أجسادهم المقدسة في المغارة القريبة من مدينة أفسس . ثم قال : وأما نوع استشهادهم فليس بمعروف ؛ لأن أعمالهم الجهادية في سبيل الإيمان لم توجد مدوّنة في التواريخ الكنائسية المدققة . بل إن المؤكد عنهم أن استشهادهم كان زمن الملك داكيوس ، حذاء مدينة أفسس . حيث وجدت فيما بعد أجسادهم في مغارة ليست بعيدة من أهل هذه المدينة . ثم قال : فالبعض من الكتبة الكنائسيين يرتؤون بأنه لما اختفى هؤلاء الفتية في تلك المغارة هرباً من الاضطهاد ، عرف أمرهم فأغلق عليهم باب المغارة بصخور عظيمة . وهكذا ماتوا فيها . وغيرهم يرون أنهم قتلوا من أجل الإيمان في مدينة أفسس . وبعد موتهم نقلت أجسادهم ودفنت في المغارة المذكورة . وآخرون يظنون أنهم حبسوا أنفسهم أحياء باختبائهم في المغارة المذكورة ، ليموتوا برضاهم ، هرباً من خطر أنواع العذاب القاسية التي كان يتكبدها المسيحيون في ذاك الاضطهاد الوحشي . ثم قال : فكيفما كان نوع استشهاد هؤلاء السبعة ، فقد تحقق أن الله أراد أن يكرمهم بإظهار أجسادهم بواسطة رؤيا سماوية . وذلك في 4 آب سنة 447 في زمن ولاية الملك ( ثاوضوسيوش الصغير ) . ثم قال : ودرج على أفواه الشعوب ؛ أن هؤلاء الفتية بعد أن أغلق عليهم باب المغارة بأمر داكيوس الملك ، لم يموتوا ضمنها ، لا موتاً طبيعياً ولا قسرياً . بل رقدوا رقاد النوم مدة ، نحو مائتي سنة . ثم نهضوا من نومهم الطبيعي سنة ( 447 ) . ثم قال : وقد ذهب بعض المؤرخين إلى تأويل ما روي من رقادهم الطويل ، بأنه لما ظهرت أجسادهم سالمة من البلَى ، بعد أن دفنوا في ذلك الغار أحياء أو أمواتاً بواسطة خارقة مَّا ، ونقلت من مدفنهم الذي كانوا فيه ، اعتبرت تلك الأجساد كأنها صودفت مستيقظة من نوم لذيذ كانت راقدة فيه . إلا أن الذي يبطل هذا التأويل ما نقله بعدُ عن القنداق ، من أنهم نهضوا بعد أن رقدوا عدة من السنين وانتصروا على ضلال أولئك الوثنيين . وبظهورهم كذلك أيّدوا حقيّة إيمانهم ووطدوا المؤمنين في رجاء القيامة في الحياة الأبدية . هذا ما اقتطفناه من كتاب ( الكنز الثمين ) وبه تعلم ما لدى أهل الكتاب المسيحيين من الاختلاف فيهم ، الذي أشار له القرآن الكريم . وقد جاء في ( تاريخ الكنيسة ) : إن أقوال وأعمال الشهداء في المسيحية لم ينقل منها إلا القليل ؛ لأن أكثرها أحرق بالنار مدة العشر سنوات . من سنة ( 293 إلى 303 ) وإن من القرن الثامن فصاعداً ، اعتنى الروم واللاتيّون بجمع حياة الشهداء الأولين . غير أن الأكثر حذاقة ، حتى الذين في حضن الكنيسة الرومانية ، يسلّمون الآن بأن أكثر الأخبار أحاديث ملفقة ، غراماً بالبلاغة . وجداول القديسين المسماة ( أقوال الشهداء ) ليست بأكثر ثقة . التي ألفها أناس جهلاء غير قادرين ، أو دخلها منذئذ أكاذيب . فهذا القسم من تاريخ الكنيسة إذ ذاك مظلم خال من النور . انتهى كلامه بالحرف . وفيه ميل إلى النصفة من عدم الثقة بما لديهم من هذا الخلاف الذي حسم مادته ، واقتلعه من جذوره ، القرآنُ الكريم . قال الحافظ ابن كثير عند قوله تعالى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاۤئِكَةِ } [ الكهف : 50 ] الآية الآتية ، معتذراً عما نقله ، ما مثاله : روي في هذا آثار كثيرة عن السلف . وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل لينظر فيها . والله أعلم بحال كثير منها . ومنها ما قد يقطع بكذبه ، لمخالفته للحق الذي بأيدينا . وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة . لأنها لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان . وقد وضع فيها أشياء كثيرة . وليس لهم من الحفاظ المتقنين الذين ينفون عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين . كما لهذه الأمة من الأئمة والعلماء ، والسادة والأتقياء ، والجهابذة النقاد ، والحفاظ الذي دونوا الحديث وحرروه ، وبينوا صحيحه من حسنه ومنكره وموضوعه ومتروكه . وعرفوا الوضّاعين والكذابين والمجهولين من أصناف الرجال . كل ذلك صيانة للجناب النبويّ والمقام المحمديّ خاتم الرسل وسيد البشر ، أن ينسب إليه كذب أو يحدث عنه بما ليس منه . فرضي الله عنهم وأرضاهم . وجعل جنات الفردوس مأواهم . وقد فعل . وقوله تعالى : { وَٱصْبِرْ نَفْسَكَ … } .