Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 18, Ayat: 29-29)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ } أي : جاء الحق وهو ما أوحي إلي منه تعالى { فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ } إما من تمام المقول المأمور به ، والفاء لترتب ما بعدها على ما قبلها بطريق التهديد . أي : عقيب تحقق أن ما أوحي إليّ حق لا ريب فيه ، وأن ذلك الحق من جهة ربكم ، فمن شاء أن يؤمن به فليؤمن كسائر المؤمنين . ولا يتعلل بما لا يكاد يصلح للتعلل . ومن شاء أن يكفر به فليفعل . وفيه من التهديد وإظهار الاستغناء عن متابعتهم ، وعدم المبالاة بهم وبإيمانهم وجوداً وعدماً - ما لا يخفى . وإمّا تهديد من جهة الله تعالى ، والفاء لترتيب ما بعدها من التهديد على الأمر . والمعنى : قل لهم ذلك . وبعد ذلك من شاء أن يؤمن به أو أن يصدقك فيه فليؤمن . ومن شاء أن يكفر به أو يكذبك فيه فليفعل . أفاده أبو السعود . وفي ( العناية ) : الأمر والتخيير ليس على حقيقته . فهو مجاز عن عدم المبالاة والاعتناء به . والأمر بالكفر غير مراد . فهو استعارة للخذلان والتخلية ، بتشبيه حال من هو كذلك بحال المأمور بالمخالفة . ووجه الشبه عدم المبالاة والاعتناء به فيهما . وهذا كقوله . @ أسيئي بنا أو أَحْسِني لا مَلُومَةً @@ وهذا رد عليهم في دعائهم إلى طرد الفقراء المؤمنين ليجالسوه ويتبعوه ، فقيل لهم : إيمانكم إنما يعود نفعه عليكم ، فلا نبالي به حتى نطردهم لذلك بعد ما تبين الحق وظهر . وقوله تعالى : { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً } وعيد شديد ، وتأكيد للتهديد وتعليل لما يفيده من الزجر عن الكفر . أو لما يفهم من ظاهر التخيير من عدم المبالاة بكفرهم وقلة الاهتمام بزجرهم عنه . فإن إعداد جزائه من دواعي الإملاء والإمهال . وعلى الوجه الأول هو تعليل للأمر بما ذكر من التخيير التهديديّ . أي : قل لهم ذلك { إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ } أي : هيأنا للكافرين بالحق ، بعد ما جاء من الله سبحانه . والتعبير عنهم بـ ( الظالمين ) للتنبيه على أن مشيئة الكفر واختياره تجاوز عن الحد ووضع للشيء في غير موضعه . أفاده أبو السعود . وقوله تعالى : { أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا } أي : فسطاطها . وهي : الخيمة . شبه به ما يحيط بهم من النار . فإن انتشار لهب النار في الجهات شبيه بالسرادق . ويطلق السرادق على الحظيرة حول الفسطاط للمنع من الوصول إليه . شبه ما يحيط بهم من جهنم بها . يقال : بيت مسردَق ، ذو سرادق { وَإِن يَسْتَغِيثُواْ } أي : من الظمأ لاحتراق أفئدتهم { يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ } أي : كالحديد المذاب وكعكر الزيت ، وقال القاشاني : من جنس الغَسَّاق والغِسْلين ، أي : المياه المتعفنة التي تسيل من أبدان أهل النار ، مسودّة يغاثون بها أو غسالاتهم القذرة . ويؤيده قوله تعالى : { وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ } [ إبراهيم : 16 - 17 ] { يَشْوِي ٱلْوجُوهَ } أي : إذا قدم إليه ليشرب ، من فرط حرارته . { وَسَآءَتْ } أي : النار { مُرْتَفَقاً } أي : متكأ . وأصل الارتفاق : نصب المرفق تحت الخدّ . وذكره لمشاكلة قوله : { وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً } [ الكهف : 31 ] وإلا فلا ارتفاق لأهل النار ولا اتكاء . وقد يكون تهكماً ، كقوله . @ إِني أَرِقْتُ فبتُّ الليلَ مرتفقاً كأن عَيْني فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ @@ والصاب : شجر مرّ يحرق ماؤه العينَ . ومذبوح : مشقوق . وفي كتاب ( تنزيل الآيات ) في الصحاح : بات فلان مرتفقاً أي : متكئاً على مرفق يده . وهو هيئة المتحزنين المتحسرين . فعلى هذا لا يكون من المشاكلة ولا للتهكم ، بل هو على حقيقته . كما يكون للتنعم يكون للتحزن . وتعقبه في ( العناية ) فقال : وأما وضع اليد تحت الخدّ للتحزن والتحسر ، فالظاهر أن العذاب يشغلهم عنه . فلا يتأتى منهم حتى يكون هذا حقيقة لا مشاكلة ، فلذا لم يعرّجوا عليه . ثم علل الحث على الإيمان المفهوم من التخيير المتقدم ، بقوله سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .