Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 18, Ayat: 44-44)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ هُنَالِكَ ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ ٱلْحَقِّ } أي : في ذلك المقام وتلك الحال التي وقع فيها الإهلاك . { ٱلْوَلاَيَةُ } بفتح الواو ، أي : النصرة لله وحده ، لا يقدر عليها أحد غيره . فالجملة مقررة ومؤكدة لقوله : { وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ } [ الكهف : 43 ] لأنها بمعناها . أو ينصر فيها أولياءه المؤمنين على المشركين وينتقم لهم ويشفي صدورهم من أعدائهم ، كما نصر على الكافر صاحبه المؤمن ، وصدَّق قوله : { فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } [ الكهف : 40 ] ويعضده قوله تعالى : { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } أي : لأوليائه . فلا ينقص لمؤمنٍ درجة ، لدناءته في الدنيا ، ولا يترك لكافرٍ عقوبة لشرفه ، بل يعاقبه بذنبه ويظهر فضل المؤمن عليه . وقرئ { ٱلْوَلاَيَةُ } بكسر الواو بمعنى السلطان والملك . أي : هنالك السلطان له والملك . لا يغلب ولا يمتنع منه . أو في مثل تلك الحال الشديدة يتولى الله ويؤمن به كلٌّ مضطر . يعني أن : { يٰلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً } [ الكهف : 42 ] كلمة ألجئ إليها فقالها جزعا مما دهاه من شؤم كفره . ولولا ذلك لم يقلها . كقوله تعالى : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قَالُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَحْدَهُ وَكَـفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ } [ غافر : 84 ] وكقوله إخباراً عن فرعون : { حَتَّىٰ إِذَآ أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لاۤ إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنوۤاْ إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ * آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ يونس : 90 - 91 ] أو ( هنالك ) إشارة إلى الآخرة . أي : في تلك الدار الولاية لله . كقوله : { لِّمَنِ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ } [ غافر : 16 ] ويناسبه قوله : { هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً } [ الكهف : 44 ] و { هُنَالِكَ } على الأوجه المتقدمة ، خبر مقدم و { ٱلْوَلاَيَةُ } مبتدأ مؤخر . والوقف على { مُنْتَصِراً } . وجوز بعضهم كون { هُنَالِكَ } معمولاً لـ { مُنْتَصِراً } وإن الوقف عليه . أي : على { هُنَالِكَ } وإن { ٱلْوَلاَيَةُ لِلَّهِ } جملة من مبتدأ وخبر مستأنفة . أي : وما كان منتصراً في ذلك الوطن الذي حل به عذاب الله . فلم يكن منقذاً له منه . وأقول : هذا الثاني ركيك جدّاً ، مفكك لرؤوس الآي في السورة . فإنها قطعت كلها بالاسم المنصوب . وشبهة قائله جوازه عربيةً . وما كل جائز عربية رقيق الحواشي بلاغة . ولذلك لم يعول عليه الزمخشريّ ومن تابعه . ( والحق ) قرئ بالرفع صفة ( للولاية ) وبالنصب على المصدر المؤكد لمضمون الجملة المنصوب بعامل مقدر . وبالجر صفة للفظ الجلالة . { عُقْباً } قرئ بسكون القاف وضمها . وهما العاقبة كالعُشُر والعُشْر . تنبيه يذكر كثير من المفسرين هنا وجها في هذا المثل : وهو أن الرجلين المذكورين فيه كانا موجودين ولهما قصة . ولا دليل في ذلك ولا اتجاه . فإن التمثيل بشيء لا يقتضي وجوده . وجوّز في هذا المثل أن يكون من باب الاستعارة التمثيلية والتشبيه . وأن يكون المثل مستعاراً للحال الغريبة بتقدير ( اضرب ) مثلاً مثل رجلين ، من غير تشبيه واستعارة . وقد عني بأحد الرجلين في التمثيل مشركو مكة ، وما كانوا عليه من الفخر بأموالهم والبذخ بخولهم ، وغمط المستضعفين من المؤمنين . وما آل إليه أمر الفريقين ، مما طابق المثل المثل ، مطابقة طبقت الآفاق . مصداقاً لوعده تعالى ، سيكون الأمر في الآخرة أعلى { وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً } [ الإسراء : 21 ] . ثم أشار تعالى إلى سرعة فناء ما يتمتعون به من الدنيا ، ويختالون به بقوله سبحانه : { وَٱضْرِبْ لَهُم … } .