Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 19, Ayat: 4-4)

Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي } أي : ضعف . قال الزمخشري : وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن . وبه قوامه ، وهو أصل بنائه . فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته . ولأنه أشد ما فيه وأصلبه . فإذا وهن كان ما وراءه أوهن . ووحّده ، لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية ، المنبئة عن شمول الوهن بكل فرد من أفراده . وقرئ ( وَهُنَ ) بكسر الهاء وضمها { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } قال الزمخشري : شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته ، وانتشاره في الشعر وفشوه فيه ، وأخذه منه كل مأخذ - باشتعال النار . ثم أخرجه مخرج الاستعارة . ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس . وأخرج الشيب مميزاً ولم يضف الرأس اكتفاءً بعلم المخاطب أنه رأس زكريا . فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة . وظاهره أن فيه استعارتين مبنيتين على تشبيهين : أولاهما : تصريحية تبعية في { وَٱشْتَعَلَ } بتشبيه انتشار المبيض في المسودّ باشتعال النار ، كما قال ابن دريد في ( مقصورته ) : @ إِمَّا تَرَيْ رَأْسِيَ حَاكَى لَوْنُهُ طرّةَ صبحٍ تَحْتَ أذيال الدجا واشتعل المبيضُّ في مسودِّهِ مثلَ اشتعالِ النَّارِ في جَزْلِ الغضَا @@ والثانية مكنية بتشبيه الشيب في بياضه وإنارته باللهب . وهذا بناء على أن المكنية قد تنفك عن التخييلية ، وعليه المحققون من أهل المعاني . وقيل : إن الاستعارة هنا تمثيلية . فشبه حال الشيب بحال النار في بياضه وانتشاره { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً } أي : ولم أكن بدعائي إياك خائباً في وقت لم أعوّد منك إلا الإجابة في الدعاء ، ولم تردَّني قط . وهذا توسل منه إلى الله تعالى بما سلف له معه من الاستجابة إثر تمهيد ما يستدعي الرحمة ويستجلب الرأفة ، من كبر السن وضعف الحال . فإنه تعالى بعدما عوَّد عبده بالإجابة دهراً طويلاً لا يكاد يخيبه أبداً . لا سيما عند اضطراره وشدة افتقاره . تنبيه استفيد من هذه الآيات آداب الدعاء وما يستحب فيه . فمنها الإسرار بالدعاء ، لقوله : { خَفِيّاً } ومنها استحباب الخضوع في الدعاء وإظهار الذل والمسكنة والضعف لقوله : { وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً } ومنها التوسل إلى الله تعالى بنعمه وعوائده الجميلة لقوله : { وَلَمْ أَكُنْ } الخ كما قدمنا .