Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 108-108)
Tafsir: Maḥāsin at-Taʾwīl
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ } : أم هنا ، إما متصلة معادلة للهمزة في { أَلَمْ تَعْلَمْ } [ البقرة : 106 ] أي ألم تعلموا أنه مالك الأمور ، قادرٌ على الأشياء كلها ، يأمر وينهى كما أراد … أم تعلموا وتقترحون بالسؤال - كما اقترحت اليهود على موسى عليه السلام ؟ وإما منقطعة - بمعنى بل - للإضراب والانتقال على حملهم على العمل بموجب عِلْمِهِم بما ذكر عند ظهور بعض مخايل المساهلة منهم في ذلك - وأمارات التأثر من أقاويل الكفرة ، إلى التحذير من ذلك . ومعنى ( الهمزة ) : إنكار وقوع الإرادة منهم ، واستبعاده ، لما أن قضية الإيمان وازعة عنها ، وتوجيه الإنكار إلى الإرادة - دون متعلقها - للمبالغة في إنكاره واستبعاده ، ببيان أنه مما لا يصدر عن العاقل إرادته ، فضلا عن صدور نفسه ، وقوله : { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ } أي : يختره ، ويأخذه لنفسه { بِٱلإِيمَانِ } . بمقابلته بدلا منه { فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } أي : عدل عن الصراط المستقيم ، جملةٌ مستقلة مشتملة على حكم كلي أخرجت مخرج المثل جيء بها لتأكيد النهي عن الاقتراح المفهوم من قوله : { أَمْ تُرِيدُونَ } الخ ، معطوفة عليه . ومعنى الآية : لا تقترحوا فتضلوا وسط السبيل ويؤدي بكم الضلال إلى البعد عن المقصد وتبديل الكفر بالإيمان . فظهر وجه ذكر قوله : { أَمْ تُرِيدُونَ } الخ بعد قوله تعالى : { مَا نَنسَخْ } [ البقرة : 106 ] . فإن المقصود من كل منهما تثبيتهم على الآيات وتوصيتهم بالثقة بها . قال الراغب : فإن قيل : ما فائدة { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ } الخ ومعلوم أنه بدون الكفر يضل الإنسان سواء السبيل فكيف بالكفر ؟ قيل : معنى ذلك من يتبدل الكفر بالإيمان يعلم أنه قد ضل ، قبلُ ، سواء السبيل ؛ وفي ذلك تنبيه أن ضلاله سواء السبيل قاده إلى الكفر بعد الإيمان . ومعناه لا تسألوا رسولكم كما سئل موسى فتضلوا سواء السبيل فيؤدي بكم إلى تبديل الكفر بالإيمان ، فمبدأ ذلك ، الضلالُ عن سواء السبيل . ووجه آخر : وهو أنه سمى معاندة الأنبياء عليهم السلام ، بعد حصول ما تسكن النفس إليه ، كفراً . إذ هي مؤدية إليه ، كتسمية العصير خمراً ، فقال : { وَمَن يَتَبَدَّلِ } أي : يطلب تبديل الكفر ، أي : المعاندة التي هي مبدأ الكفر ، بالإيمان أي : بما حصل له من الدلالة المتقضية لسكون النفس ، فقد ضل سواء السبيل ، ووجه ثالث : وهو أن ذلك نهاية التبكيت لمن ظهر له الحق فعدل عنه إلى الباطل ، وأنه كمن كان على وضح الطريق فتاه فيه . ووجه رابع : وهو أن { سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ } إشارة إلى الفطرة التي فطر الناس عليها . والإيمان إشارة إلى المكتسب من جهة الشرائع فقال : { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } أي : بالإيمان المكتسب فقد أبطله ، وضَيَّع الفطرة التي فطر الناس عليها فلا يرجى له نزوع عما هو عليه بعد ذلك . هذا ، وما قررناه في الآية من أن الخطاب للمسلمين هو ما يترجح ويكون كقوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } [ المائدة : 101 ] . ويرشحه قوله : { وَمَن يَتَبَدَّلِ ٱلْكُفْرَ بِٱلإِيمَانِ } فإن موقع خطابه إنما يتضح مع المؤمنين . ورجح الرازي كون الخطاب مع اليهود ، قال : لأن هذه السورة من أول قوله : { يَٰبَنِي إِسْرَائِيلَ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ } [ البقرة : 40 ] حكاية عنهم ومحاجة معهم ولأنه لم يجر ذكر غيرهم في السياق ، وقد قص تعالى عنهم سؤال النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : { يَسْأَلُكَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَاباً } [ النساء : 153 ] الآية ، وحينئذ فمعنى تبدل الكفر بالإيمان ، وهم بمعزل من الإيمان ، إعراضهم عنه ، مع تمكنهم منه ، وإيثارهم للكفر عليه . كما أن إضافة الرسول إليهم باعتبار أنهم من أمة الدعوة .